كل ما أتمناه لاوباما بعد ان ينهي زيارته للشرق الاوسط الا يتم تقطيع هدومه، تطبيقا للمثل المصري "ما ينوب المخلص الا تقطيع هدومه" وطبعا يقال هذا المثل حين يتدخل واحد ليفصل بين معركتين فينقلب عليه المتعاركان ويمزقان ملابسه من فرط قسوتهما عليه. وكل ما أتمناه ان نسأل انفسنا عن "حساب الارادات السياسية في منطقتنا" ومحاولة وضع تصور مبدئي لموجز القدرة العربية في مواجهة قدرتين كل منهما عملاقة بشكل او بآخر، القوة الاسرائيلية، وهي قوية بحكم الدعم التاريخي من الولاياتالمتحدة تحديدا، فضلا عن تغلغلها في ادق تفاصيل الحياة اليومية لزعماء اوروبا، هؤلاء الزعماء الذين يتصرفون كالارانب اذا ما جاء ذكر اسرائيل.. ولعل اسرائيل اكثر من غيرها من تعرف كيف يتحدث عنها الكبار بكل لغات اللعنات في الغرف المغلقة سواء كان هذا الكبير هو ساركوزي او برلسكوني او حتي بابا الفاتيكان الذي نال عقابا فوريا الاسبوع الماضي، لمجرد أنه قال "ان الحياة بالنسبة لسكان غزة سيئة ومستحيلة"، فما كان من الاعلام الاسرائيلي الا ان اخرج له من الجعبة سلسلة حوادث اعتداءات جنسية تمت في احد الملاجئ الكاثوليكية في ايرلندا، اي في منطقة صراع بين البروتستا والكاثوليك وبين الاثنين بحار من دم، لم يجففها سوي ميتشل الموكل اليه حاليا حلم تجفيف الصراع العربي الاسرائيلي من أكياس الصديد الموجودة فيها، وطبعا لا تأبه اسرائيل بمن يلعنها بينه وبين نفسه او في غرف مغلقة، ولكنها لا تتورع عن التنكيل بمن يلمس طرف ثوبها في اي حديث علني، واوباما قد يلمس طرف ثوب احلامها حين يطالبها بالتفاوض علي مصير دولة فلسطينية بجانب دولة اسرائيل، مجرد التفاوض لا برسم حدود لهذه الدولة التي لا ترغب في رسم حدود لها، وطبعا يحسب اوباما حساب القوة الثانية "ايران" التي استطاعت ان تحقق عبر سنوات من الجدية ميزانا عسكريا يعتد به في صراع القوة بمنطقة الشرق الاوسط، ومن خلال تعاملها مع الصين وروسيا وكوريا وتجهيز واعداد "كميات من الصواريخ اثبتت قدرتها علي ازعاج الداخل الاسرائيلي وتكفلت اسرائيل بتثبيت قوة ايران العسكرية والسياسية بعد ان أقنعت بوش بسحق صدام حسين، فبرزت ايران كقوة مؤثرة في الصراع السياسي والبترولي بالشرق الاوسط وسجلت نقطة مؤثرة في اثبات ترهل العمل العربي المشترك، سواء بضربها للسياحة بلبنان عبر حزب الله في موسم يوليو 2006 الذي أثبت فيها حسن نصر الله قدرة هائلة علي تثبيت بعض من أحلام الامبراطورية الفارسية أو سواء بقهر واستنزاف ثروات لبنان بعد هدم نصفه تقريبا بواسطة القوات الاسرائيلية. وعلي الرغم من ان القلب العربي المسلم فرح جزئيا بالهلع الاسرائيلي فإن العقل العربي أفاق اخيرا ليتذكر انه مهما تغير نظام ايران فالحلم الامبراطوري قائم وان كانت ايران تريد فعلا الاخوة العربية المسلمة فعليها ان تجلو اولا عن الجزر الاماراتية الثلاث، وعليها ان ترفع يدها عن العراق المهيض الجناح وان تنهي لعبة الانتقام من الحرب العراقية الايرانية، وهي اللعبة التي تديرها ايران تحت ستار من الدين. ويأتي اوباما الي القاهرة ليتحدث من قلب العالم الاسلامي، والغريب انه اختار يوم الرابع من يونية أي في ليلة الذكري الثانية والاربعين لهزيمة الدول العربية مجتمعة في الخامس من يونية عام ،1967 ويمثل هذا اليوم حدا فاصلا بين الاحلام العربية في التكامل عبر حلم الوحدة الي التضافر الجزئي في زمن الهزيمة بما حقق الانتصار في اكتوبر ،1973 وهو ما جعل كسينجر يصر في مفاوضاته مع مصر علي ان يكون اي تفاوض بين الدول العربية واسرائيل هو تفاوضا بين كل دولة علي حدة، أو ما سمي بالمسارات المختلفة، مسار فلسطيني مختلف عن المسار السوري، وطبعا اختلف الامر مع مصر التي وصلت الي كامب ديفيد. وليتذكر الجميع ان كامب ديفيد هي اتفاقية يمكن لمن يمعن النظر فيها ان يري بعيون الخيال ان الطريق اليها بدأ في قبول جمال عبدالناصر لمبادرة روجرز لوقف اطلاق النار علي الحدود المصرية، ثم جاء توقيع آخر غير مرئي بعد نصر أكتوبر حين أهمل العرب استغلال قوتهم السياسية في بناء تكامل اقتصادي وصناعة سلاح تؤهل للمواجهة. واعتقد ان علينا الا نتوقع من اوباما اكثر مما يمنحنا اياه ميزان القوة العربية وان أردنا الا نكون محصورين في نفس المنهج الذي قدمه بوش الأب بمفاوضات مدريد، فلابد لنا من أسلوب آخر في الحياة، ولمن نسي أسلوب بوش الاب الذي قاد الي مدريد هو توقيع اتفاق أوسلو الذي قاد الي تحرير شكلي للضفة وغزة ورفرفة علي فلسطين علي بعض من الارض الفلسطينية. ثم بدأ من بعد ذلك وضع المسئولية الفلسطينية في يد أبنائها الذين لم يصونوها كما يجب سواء أكانوا من فتح أم من حماس، أما سوريا فحدث ولا حرج عن مسلسلات صمت جبهة القتال فيها، والتغلغل في لبنان ثم الالتفات بقوة الي التعاون مع ايران بعد سقوط العراق كثمرة في يد الجيش الامريكي. باختصار، كل ما اتمناه الا يتوقع احد اكثر من قوته الفعلية لان الولاياتالمتحدة بذات نفسها تتاحدث عبر رئيسها من القاهرة برغبة في تشذيب الترهل الذي بدا ظاهرا بغرور القوة المبالغ فيه من بوش، وانتهي الي مآس يعلمها كل امريكي ولن يكون في حساب اوباما الضحايا من العراقيين لانه ليس رئيس العراقيين او العرب ولكنه رئيس الامريكيين، وان ابدي اي تعاطف فهو تعاطف "لغوي" لان "الانساني" عند اي رئيس هو قوة بلاده اولا والقوة ليست معنويات فقط ولكنها معنويات تستند الي ماديات وأول الماديات في عناصر القوة لاي دولة هو ارادة وامكانية ردع الخصم او قوة الردع التي يمكن ان يحسب حسابها الصديق. السؤال في المنطقة العربية يجب ان يكون عن حسابات عناصر القوة التي في أيدينا وكيف ننميها بدلا من ان ننتظر الفرج من الصديق الامريكي، هذا الصديق الذي يغير جلد سياساته في منطقتها كل عدة سنوات معتمدا علي مزيد من الترهل في أحوالنا.