يعلم إسماعيل سراج الدين أني أحمل تقديرا كبيرا لثقافته وعمله وإنجازاته غير المسبوقة علي المستوي الشخصي والكوني. ومن المؤكد أنه يلمس ذلك عمليا في كل حماسي للمكتبة وما يدور فيها، وأيضا حين نلتقي، بل هو أول من يعلم أني لا أتأخر عن محاضرة يلقيها، لأني عمليا أشعر بعد الاستماع إليه أن العقل المصري الذي ينتمي إليه هذا الإنسان هو شهادة للرقي. وتلك مقدمة ضرورية لأتحدث عن الضجيج الحادث علي مستوي الصحف والأخبار بمناسبة أرشيف ذاكرة مصر، وهو عمل أقل ما يوصف به أنه جليل، ولكن حين تزيد الاخبار عن الحد، وحين لا يصبح عمل إدارة الاعلام بالمكتبة هي توصيف كل قصقوصة ورق تخص هذا الأرشيف علي أساس أنها عمل خارق للطبيعة، فهذا أمر يستحق التوقف أمامه بكثير من العتاب. وأعاتب هنا وعلنا أخي الدكتور خالد عزب الذي يقبل من العاملين معه في إدارة الإعلام هذا الشغف المبالغ فيه بكل وثيقة مهما صغرت لحظة انضمامها إلي ذاكرة مصر. أكتب ذلك وأنا أتمني من إدارة الإعلام بالمكتبة أن يتجول أفرادها قليلا في منتدي الحوار، وفي مركز الفنون، وفي مركز دراسات البحر المتوسط، وفي بقية المراكز السبعة الموجودة في المكتبة، وأن توافينا إدارة الإعلام بتقارير وافية رفيعة المستوي عن أعمال تلك المراكز التي تأتي الأخبار عنها مقتضبة وقصيرة وغير وافية، ينطبق عليها المثل المصري القائل "برو عتب" أي لمنع العتاب علي عدم متابعة أنشطتها. بل إن زوار المكتبة من الشخصيات العامة يستحق من إدارة الإعلام أن تبذل جهدا في التعريف بها حين ترسل أخبارها إلي الصحف، فلا يكفي ذلك النمط التقليدي بأن فلان الفلاني زار المكتب وزار المواقع المختلفة وكانت في استقباله السفيرة هاجر الإسلامبولي ود. شريف رياض. ومثل هذه النوعية من التغطية الخبرية لا تساوي الحبر الذي كتبت به، مع خالص تقديري وكامل احترامي للجهد الذي يبذله محمد مصطفي مطش وزميلته رانية. ولعل السؤال الذي يلح علي عقلي طوال شهور وأعلنته أكثر من مرة "أين هي ذاكرة المشكلات المصرية وحلولها؟" بمعني أننا نواجه في كل عام بأكثر من مؤتمر عن التعليم وعن الأمية، وعن البحث العلمي، وغير ذلك من مشكلات، وهناك في مصر هيئات مهمة لها أبحاث مستفيضة مثل المجالس القومية المتخصصة، وهناك دراسات مجلس الشوري عن تلك المشكلات، وهناك عشرات المئات من المشكلات التي نتمني أن نقرأ تاريخنا في مواجهتها، وهي تستحق منا أن نتذكر كيف كنا نفكر فيه، وكيف نفكر فيها حاليا، وأكاد أن أخص بالذكر الدراسات السكانية والمعمارية التي تحتاج من إسماعيل سراج الدين نفسه أن يأمر بتوثيق كل ما يخصها في التاريخ المصري المعارص والقديم، أكتب ذلك بعد قراءتي للعمل الموسوعي عن العمارة التي نالت جوائز أغاخان وأعده إسماعيل سراج الدين، وأكتب ذلك وهو يعلم أكثر من غيره أن الملامح المعمارية المصرية التي أعاد اكتشافها كل من رمسيس ويصا واصف والعبقري العظيم حسن فتحي صارت حاليا مجرد فولكلور ننظر إليه دون تطبيق ودون استفادة منها في مواجهة ما نعيشه من مشكلات، بل غرقنا في قبول موقع الذيل في العمارة، رغم أننا روادها. المكتبة - ودون زعل - أكبر من مشروع ذاكرة مصر، وضرورة الإعلام عنها بطريقة أعمق من الواقع الحالي هو أمر ضروري ومطلوب وعادل وعاجل ولا يحتمل التأخير. ومن المؤكد أن خالد عزب المسئول عن إدارة الإعلام يعلم أني علي المستوي الشخصي أكن له عميق التقدير لجهده المتواصل، ويمكنني أن أقول أن يدي في الماء وأن يده في النار، ولذلك فمن مسئوليتي أن أقدم له بيانا عما أراه ينقص أسلوب إدارته في التعبير، فالمكتبة قد تكون صرحا إلكترونيا عملاقا، ولكنها أيضا مركز هائل من مراكز التفكير، وهو ما ننتظر وصوله إلينا عبر الإعلام.