لعلها من المرات القليلة التي يدعوني فيها د. إسماعيل سراج الدين إلي مناسبة ما في مكتبة الاسكندرية، فلا استطيع الاستجابة للدعوة من فرط ما زحمتني مكتبة الاسكندرية بضرورة الحياة في العصر، ومن فرط الوقائع اليومية التي تشير إلي أننا لا نرسم عمليا خططا وطرقا للوصول إلي آفاق العصر الذي نعيشه، بل وبمنتهي الصراحة نزاد بريقا امام المرايا ونمعن في السقوط في بئر التخلف المصنوع بغياب الارادة. وعلي ضوء الكلمات السابقة كان من المفترض ان أوجد مساء اليوم لأستمع إلي عقل انساني هو د. فينت سيرف الملقب بأبي الانترنت ونائب رئيس شركة جوجل، حيث تحتفل مكتبة الاسكندرية بحادث جليل وخطير ويفوق الوصف، وهو انزال مليون محاضرة القاها علماء الكون علي موقع مكتبة الاسكندرية مع اباحة استخدام مادتها من قبل أي باحث مصري أو عربي بشرط ممارسة الامانة العلمية وذكر المصدر. من المؤكد ان مثل هذا العمل يستحق الاحتفال، حتي وسط مرارات رؤية خرائط جوجل التي تستخدمها اسرائيل لضرب غزة، لأن تلك الخرائط متاحة ايضا وان توضح تفاصيلها عن مواقع اسرائيل لمن يرغب معرفة أي موقع هناك. وإذا كان د. فينت سيرف قد جاء بنفسه إلي الاسكندرية ليدشن هذا المشروع، فلا اقل من ان نشكر اسماعيل سراج الدين علي دعوة الرجل، واضافة تلال من المعلومات التي لا نستخدمها نحن المصريين أو العرب في حياتنا كل يوم، فالمكتبة لم تقصر في جمع المعلومات أو مساعدة أي باحث جاد أو متفوق في الاستفادة من هذا المخزن الهائل من الثقافة العلمية، ولكن اسلوب حياتنا من المحيط إلي الخليج هو الذي يجعل من كل تلك الكنوز مجرد "تاريخ" فليس ممن المعقول ان توجد كل تلك المعلومات في موقع ما، ولا ترفع الحكومات العربية مجتمعة ميزانيات البحث العلمي فيها إلي مستوي لائق. ولن اتحدث عن الثروات العربية المهدرة في كثير من التفاصيل اليومية التي يمكن تدبير بعض منها للصرف علي البحث العلمي. وإذا ما عرفنا أننا نحن في العالم العربي نستهلك من مستحضرات التجميل ما قيمته 12 مليار دولار كل عام، ولا نصرف علي التعليم مثل هذا المبلغ، ثم نسلم ثرواتنا للبنوك الامريكية التي جعلت سعر الفائدة صفرا، أي انها ثروات ستتآكل بحكم الركود، فلا اقل من ان نعيد النظر إلي ما نرصده للبحث العلمي، فإن كنا لم نتوحد في أي أمر إلا في البكاء، فهل يمكن ان نبدأ في التوحد برسم اسلوب في التعليم متفق مع ضرورات العصر، يضم كل العالم العربي؟ أكتب هذا أنا الذي عرضت ذات يوم رجاء لعمرو موسي بأن ندرس لمدة عامين خريطة لانتاج الخبز بمواصفات انسانية وبصورة تكفي سكان العالم العربي، وقبل الرجل المشروع علي اساس امكانية دراسته، ولكن من عامين والعالم العربي يغط إما في نوم الدموع علي الخدود، أو في تبادل الاتهامات، وبيع الضمير بشكل سري أو علني لمن يصرون علي صناعة التخلف، وإما بالتقوقع صامتين لنري دمنا المستباح مرة في العراق بغباء عجز التفكير العلمي عند صدام حسين، أو بغباء فهم الايمان علي انه ترديد للشهادة بعد التهام الحمام المحشي في محال الكباب كما فعل بعض من قيادات حماس، أو بإمداد اسرائيل بما تحتاجه من المواد الخام كما يفعل الكثيرون، أو بقضاء إجازات الصيف في شواطئ فلسطين التي امتلكتها اسرائيل كما يفعل بعض من الاشاوس الذين يمثلون علينا انهم رواد الحرية. لكل ذلك لم أذهب إلي محاضرة أبي الانترنت الذي جاء إلي مكتبة الاسكندرية، فعذرا يا د. اسماعيل علي قعودي في البيت بدلا من زيادة التوتر برؤية المسافة الشاسعة بين واقع العلم المعاصر وواقع حياتنا الملتاثة.