لقد شعر الجميع حتي اغني الاغنياء بوخز الازمة الاقتصادية الراهنة ففي امارة موناكو حيث الثراء قاسم مشترك بين الجميع اضطرت ماركات عالمية فاخرة مثل لاكوست وكريستيان لاكروا الي تقديم تخفيضات في الاسعار تصل الي 50% في عز موسم التسوق الشتوي من اجل تنشيط المبيعات. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان الاغنياء تلقوا ضربة عنيفة من جراء الازمة المالية ومع ذلك فإنهم لا يحظون الا بقليل من التعاطف فالاغنياء بعد كل شيء يملكون نصيبا كبيرا في اسواق الممتلكات والاوراق المالية وكثيرون منهم حولوا ثرواتهم للعمل مع صناديق التحوط وشركات التخارج وبنوك الاستثمار ويقدر مسح قامت به شركة الاستشارات اوليفر وايمان خسائر الاثرياء بسبب الازمة المالية بنحو 10 تريليونات دولار او نحو 25% من صافي ثرواتهم الاصلية.. وفي قائمة "فوربز" الجديدة لمليارديرات العالم وجد ان عددهم قد تقلص من 1125 مليارديرا ليصح 793 مليارديرا فقط بنسبة انخفاض تصل الي 30% كما وجدت شركة الابحاث سبكترم جروب ان عدد مليونيرات امريكا نقص هو الآخر من 9.2 مليون مليونير عام 2007 ليصبح 67.7 مليون مليونير في عام 2008 اي بنسبة انخفاض تصل الي 27% او أكثر قليلا. والي جانب ما تقدم فإن قلة من رجال الاعمال قد تبخرت ثرواتهم كلها لانهم اقترضوا من البنوك او غيرها بضمان ما كانوا يملكون من اصول وفي روسيا هبط عدد مليارديرات الاوليجاركية المسيطرة الي نصف ما كانوا عليه وذلك حسب ما تقول مجلة "فاينانس" الروسية وتذكر نفس المجلة ان اصول اغني عشرة في روسيا فقد فقدت ثلثي قيمتها كما تشير الي حالة رجل الاعمال الروسي الذي كان قد تعاقد علي شراء قصر في فرنسا قيمته 400 مليون يورو اضطرته الازمة الاقتصادية الي التراجع عن الشراء فأصبح مهددا بفقدان وديعة قيمتها 39 مليون يورو كانت داخلة ضمن ضمانات الصفقة. ولا غرو ان يسعد كثير من الناس لما اصاب هؤلاء الاثرياء لان ثروات كبار الاثرياء في البلدان الانجلوسكسونيه مثل امريكا وبريطاينا قد ارتفعت الي مستويات غير مسبوقة منذ عشرينات القرن الماضي كما ان ثمار النمو الذي تحقق اخيرا تم توزيعها بشكل غير عادل لصالح الاغنياء.. وهنا تذكر دراسة قام بها كل من روبرت جوردون من جامعة نورثويسترن وايان ديور بيكر من جامعة هارفارد ان معظم عوائد زيادة الانتاجية التي تحققت خلال الفترة 1996 2005 قد ذهبت الي اعلي 10% من المستفيدين وتقول دراسة دولية ان درجة عدم المساواة في توزيع الدخول في كل من المكسيكوروسيا تفوق مثيلتها في الولاياتالمتحدةالامريكية. ويقول اجاي كابور المحلل الاستراتيجي في ميراي اسيت ان اقتصاد العالم صار هو اقتصاد الاثرياء لانه اقتصاد يحركه انفاق الاثرياء وان الثري يتعين ان يولد في فرنسا ويعمل في لندن ويودع نقوده في سويسرا ويتخذ من جزر كايمان مقرا رئيسيا لشركته.. ومثل هؤلاء الناس يتعين ان يسكنوا بلدا آخر غير بلدان الانسان العادي وهي البلد التي اطلق عليها روبرت فرانك اسم "ريتشيستان". وتذكر مجلة "الايكونوميست" ان عالم الاثرياء هو الوليد الشرعي لما حدث من تغيرات اقتصادية وسياسية في مطلع سبعينيات القرن الماضي حيث جري التخلي عن اسعار الصرف الثابتة وجري تحرير الانظمة المالي وتحجيم دور النقابات العمالية، وخفض الضرائب وهو ما ادي الي ارتفاع اسعار الاصول خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن نفسه ومسكن بعض الذين دخلوا الاسواق بأموال مفترضة من البنوك مثل مؤسس صناديق التحوط وشركات التخارج من ان يصبحوا مليارديرات. كذلك فإن زيادة الارباح عن معدلاتها الضعيفة التي كانت سائدة في السبعينيات قد تضافرت مع فكرة التحفيز بالاسهم المختارة لتمكن القادة التنفيذيين للشركات من صنع ثرواتهم كما ادي انفتاح اقتصادات روسيا والهند والصين الي جانب ارتفاع اسعار المواد الخام الي صنع طبقة جديدة حاكمة ثرية في الاسواق الناشئة. لقد كان حجم الثروة المتراكمة مذهلا فصافي ثروة اغني 400 شخص في قائمة "فوربز" عام 1982 لم يتجاوز ال92 مليار دولار اما في قائمة 2006 فقد ارتفع صافي ثروة ال400 الأكثر ثراء ليصبح 1.25 تريليون دولار أي أكثر من 13 ضعف ما كان عليه الحال قبل ربع قرن وقد كان الحد الأدني لدخول قائمة "فوربز" لأغني 400 شخص هو تملك ثروة صافية قيمتها 75 مليون دولار اما دخول نفس القائمة في عام 2006 فيشترط له ان تكون ملياردير وليس مجرد مليونير والجدير بالانتباه ان ثراء عام 1982كان موروثا في جزء مهم منه اما ثراء عام 2006 فهو من صنع اموال مستحدثة والموروث فيه ضئيل وهنا تقول الارقام ان الثروة الموروثة كانت تمثل 21% في قائمة فوربز عام 1982 ولكنها تدنت الي 2% فقط في قائمة عام 2006 كذلك فإن 10% فقط أو أقل من اثرياء قائمة 1982 كانت ثرواتهم تعود الي القطاع المالي اما في قائمة 2006 فقد ارتفعت هذه النسبة الي 25% أو أكثر قليلا وهذا معناه ان حظوظ الرأسمالية المالية في تزايد وارتفاع علي حساب الاقتصاد العيني اي اقتصاد السلع والخدمات. بقي ان نقول ان الاثرياء اقل سعادة بكثير مما كانوا عليه قبل اندلاع الازمة الاقتصادية ولكن علي العالم ان يتدبر اولا ما وصلت اليه فجوة عدم المساواة من اتساع ينذر بأوخم العواقب السياسية ولنتذكر ان الكساد العالمي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي قد اعقبه صعود النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا والعسكرتارية في اليابان وان الحرب العالمية الثانية كانت بشكل أو بآخر من تداعيات هذا الكساد الكبير وتوابعه ولعل الأزمة الراهنة تكون ناقوس خطر يدعونا الي علاج شرور العولمة والحرص علي اقتسام ايجابياتها بأكبر درجة ممكنة من العدالة وتوخي المساواة بين الناس لكي نتحاشي الانزلاق بعالمنا الي مخاطر لا يعلم مداها أحد.