تعتبر منطقة الباسفيك الممتدة بين هاواي وكاليفورنيا منطقة فارغة، فلا توجد هناك جزر ولا خطوط ملاحية ولا تواجد بشري علي امتداد آلاف الاميال وإنما يوجد فقط بحر وسماء ونفايات. فالتيارات البحرية تجمع الحطام الكافي علي سطح الماء من مختلف بحار العالم ومحيطاته ليتراكم في هذه المنطقة من المحيط الهادي. وفي بعض أجزاء تلك المنطقة يوجد مليون قطعة بلاستيك طافية في كل كيلومتر مربع وهي تمثل 112 ضعف الطحالب والنباتات البحرية العالقة في كل كيلومتر مربع وهذا إلي جانب نحو 100 مليون طن من النفايات الاخري الطافية فوق سطح الماء التي يصل إليها المزيد من النفايات كل يوم. وتقول مجلة "الايكونوميست" إنه أينما وجد البشر تتواجد النفايات واحيانا تتواجد النفايات من دون تواجد بشري، وحتي الفضاء صارت فيه الآن نفايات سابحة هي من بقايا الاقمار الصناعية والمركبات الفضائية التي تحطمت، كما حدث في منتصف فبراير الماضي عن اصطدام قمرين صناعيين في الفضاء وكان أحدهما امريكي والآخر روسي. وتقول كين توجوتشي وهي يابانية تحترف تسلق الجبال إنها استطاعت ان تجمع 9 أطنان من النفايات من منحدرات جبل ايفرست الشهير ولاتزال هناك أطنانا أخري باقية. وتشير الارقام إلي ان المواطن الغربي العادي ينتج في المتوسط 500 كليو جرام من النفايات البلدية سنويا. وهذا النوع من النفايات هو الجزء الاكثر وضوحا من جملة نفايات البلدان الغنية. وفي بريطانيا علي سبيل المثال تمثل النفايات البلدية مثل الاوراق وما شابهها الناتجة عن المنازل والشركات 24% فقط من اجمالي النفايات البريطانية، كذلك فإن البلدان المتقدمة والنامية تنتج كميات هائلة من النفايات المختلفة عن البناء والهدم والنفايات الصناعية ونفايات المناجم ونفايات الصرف الصحي والنفايات الزراعية. وقد يفيد هذا ان تعرف ان صنع خاتم الزواج الذهبي يتولد عنه ثلاثة أطنان من نفايات المناجم التي يستخرج منها الذهب. ورغم أن النفايات ظاهرة عالمية فإنها لم تدرس جيدا وفكرتنا عنها لا تزال محدودة، فلا أحد يعرف علي وجه اليقين حجم نفايات العالم ولا كيفية التعامل معها لأن تعريف النفايات فضفاض بدرجة كبيرة حيث يعتبر من النفايات كل شيء لم يعد صاحبه يريده أو يهتم به، والحقيقة أن التخلص من النفايات مسألة لاتزال غير منظمة ولا أحد يعرف حتي الآن بدقة ما إذا كانت إعادة تدوير النفايات هي انسب وسيلة للتخلص منها أم أنها مجرد مضيعة للوقت. وتقول حقائق الحياة إن النفايات يمكن أن تسبب مشاكل كثيرة فهي غالبا ما تصاب بالنتن وتنجم عنها الروائج الكريهة كما أنها تجذب الحشرات والهوام والحيوانات الضالة وتعتبر مصدرا للتلوث البصري وقذي للعين والأخطر من ذلك انه قد يتسرب منها إلي باطن الأرض بعض الكيماويات الضارة التي تلوث المياه الجوفية عندما يتم طمرها أما عندما يتم حرقها فإن هذه الكيماويات الضارة تتطاير في الهواء متلوثة، والنفايات عموما مسئولة عن إنتاج 4% من الغازات التي تسبب سخونة الأرض، وهناك أيضا النفايات الأشد خطرا وهي النفايات النووية التي لم يتفق العالم بعد حتي الآن علي طريقة آمنة للتخلص منها. وإذا كانت النفايات بهذه الصورة مأزق أو أزمة تواجه العالم فإن هناك من يعتبرها أيضا فرصة للكسب بعد أن تحول التخلص منها إلي صناعة عالمية، وهنا تقول مجلة "الايكونوميست" من أن البلدان الغنية تنفق 120 مليار دولار سنويا للتخلص من النفايات البلدية وحدها وتنفق 150 مليار دولار سنويا للتخلص من النفايات الصناعية وذلك حسب تقديرات معهد الأبحاث الفرنسي "سايكلوب" وتميل كمية النفايات التي تنتجها كل بلد إلي التزايد مع تزايد تقدمها الاقتصادي وزيادة نسبة سكان المدن فيها، ولذلك فإن شركات النفايات تجد لنفسها مستقبلا ثريا في بلدان مثل الصين والهند والبرازيل التي لا تنفق كل منها حتي الآن سوي 5 مليارات دولار سنويا علي جمع النفايات البلدية ومعالجتها. وتعتبر النفايات فرصة أيضا بمعني أكبر أي باعتبارها من الموارد فجزء كبير من النفايات يتم حرقه حاليا لتوليد الطاقة، كما تتطور طرق معالجة النفايات وتحويلها إلي سماد أو مركبات كيماوية أو وقود، وهناك من يتصور أن المستقبل سيشهد استخراج وقود السيارات وتدفئة المنازل من النفايات البلدية، ويتخيل آخرون امكان أن يأتي يوم نعيش فيه في عالم بلا نفايات لأن النفايات سيتم إعادة تدويرها علي الدوام أو استخدام ما لا يتم إعادة تدوره في استخراج الطاقة، وهناك مشروعات كثيرة تقوم الآن علي مثل هذه التصورات، ومع ذلك فإن العالم كله بما فيه من دول غنية ودول فقيرة لم يستقر بعد علي أنسب الطرق للتخلص من النفايات ولم يضع القوانين الصارمة للتعامل مع هذه القضية، ومطلوب من العالم الآن أن يحسن إدارة مسألة النفايات لكي يحولها من شيء مؤذ أو عديم القيمة إلي شيء مفيد أو من أزمة ومأزق إلي فرصة للعمل والربح.