يبدو أن موجة جديدة من الاندماج بين شركات الأدوية قد أصبحت في طريقها لأن تحدث، فقد أعلنت شركة فايزر عزمها علي شراء شركة وايت متوسطة الحجم مقابل 68 مليار دولار كما قررت شركة روش السويسرية الاستحواذ إجباريا علي شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية جينيتك التي يوجد مقرها في كاليفورنيا، أما شركة سانوفي - فينتس فتتحدث علنا عن احتمال قيامها بالاستحواذ علي شركة كبيرة في حجم شركة ميرك، وقد كان الوحيد الذي شذ عن هذا الاتجاه هو ديفيد برينان الرئيس التنفيذي لشركة استرازينيكا البريطانية حيث صرح عقب إعلان النتائج السنوية لشركته بأن أسترازينيكا لا تحتاج إلي الاندماج ولا إلي الاستحواذ. وتقول مجلة "الايكونوميست" أن هذه الثقة في النفس لها ما يبررها لأن إجمالي إيرادات استرازينيكا زاد بنسبة 7% خلال عام 2008 ليصبح 31،6 مليار دولار حسب آخر أسعار لصرف الدولار، كما زادت أرباحها بنسبة 9% عما كانت عليه في عام 2007 لتصبح 6،1 مليار دولار، وتبعا لذلك فقد كان أداء اسهم استرازينيكا في البورصة هو الأفضل خلال العام الماضي بالمقارنة مع شركات مؤشر FTSE 100. ING من أن انتهاء تراخيص الأدوية ذات الإيرادات العالية التي تنتجها استرازينيكا في غضون السنوات القليلة المقبلة سيضع الشركة في مأزق حقيقي ولتلافي هذا الوضع فإن عددا آخر من قادة شركات الأدوية ينظر إلي عمليات الاندماج والاستحواذ باعتبارها الطريق لزيادة المبتكرات وخفض التكاليف. ولكن برنان لا يوافق علي هذا الاتجاه، فخبرة الرجل تتركز في مجال التسويق بخلاف رؤساء الشركات الأخري الذين ينتمون إلي سلك العلماء، وعندما نسأل برنان عن فلسفته الإدارية يتحدث الرجل لا شعوريا عن خبراته عندما كان مدير مبيعات شابا وبعض النوادر الشائعة في مناخ صناعة الأدوية.. وهنا يبرز سؤال مهم هو: إذا كان برينان ليس من أنصار الاندماج والاستحواذ فما استراتيجيته لانقاذ استرازينيكا من الأزمة العامة الراهنة في صناعة الأدوية؟ والإجابة ببساطة هي أن استراتيجية برنان لها ثلاث أذرع كلها مستفادة من تزايد وجود الشركة في الأسواق الناشئة الكبري، وأولي هذه الأذرع هو خفض التكاليف داخل انجلترا، أما الثاني فهو زيادة المبيعات في البلدان النامية والثالث والأخير هو تنشيط المبتكرات. ويصر برنان علي أن المدير الجيد لا يحتاج إلي اندماجات لكي يعزز كفاءة شركته، فاسترازينيكا تنفذ فعلا خطة للاستغناء عن 15 ألف وظيفة عبر خمس سنوات تخفض لها التكاليف بمقدار 2،5 مليار دولار سنويا، وهي أيضا تنقل بالفعل بعض مصانعها إلي البلدان النامية وهو أمر اعتادت أن تفعله منذ مدة مع تركيز اهتمامها علي الجودة وحماية حقوق الملكية الفكرية، وتمتلك استرازينيكا واحد من أكبر مصانعها في الصين قرب شنغهاي وقد حضر برنان الاحتفال بتوسعته في يناير 2009. وقد كان هذا المصنع مخصصا لتغطية السوق الصينية ولكن توسعته ستجعله يبيع لكل الأسواق الآسيوية، ورغم أن المصنع ذو مستوي عالمي إلا أن تكلفة إنتاجه أقل من نصف تكلفة الانتاج في العالم المتقدم، وسوف يمكن تصدير إنتاج هذا المصنع إلي أوروبا بحلول عام 2012 أو ،2013 أما في غضون السنوات العشر القادمة فسيكون ربع الإنتاج العالمي لشركة استرازينيكا متركزا في الصين. والمهمة الثانية بعد خفض التكاليف هي تشجيع نمو الشركة في الأسواق الناشئة الكبري الكبري وخاصة الصين، وهنا نجد أن استرازينيكا تنافس باير الألمانية علي سوق الأدوية الأجنبية في الصين والبالغ حجمه 19 مليار دولار وحتي الآن تبدو استرازينيكا هي الطرف الفائز خصوصا وأن تواجدها في الصين لا يقل عمره عن عشر سنوات، وهذا التنامي في إيرادات الشركة في سوق الصين يرجع إلي خبرات برينان التسويقية وثقته في المديرين المحليين الذين يستعين بهم لتنشيط البيع، واستعداده للاستجابة لتوصياتهم، وذلك كله علي عكس الأسلوب المركزي في التسويق الذي تتبعه كبريات شركات الأدوية المنافسة ولبرينان كلمة مأثورة في هذا الشأن حيث يقول: إننا لا ندفع لفريقنا في الصين لكي يجبرهم علي أن يفعلوا أشياء لا تناسب إلا سوق البرازيل!. ورغم أن برينان يتبع أساليب التسويق التقليدية الشائعة في صناعة الأدوية فإنه يضيف إليها أيضا ما يري له فائدة في زيادة المبيعات، وهنا تقول راشيل لي خبيرة شركة الاستشارات بوسطن كونسلتنج جروب أن استرازينيكا قد أضفت الكثير من الاحترافية علي صناعة الأدوية في الصين وأنها في نهاية المطاف استفادت من هذا الإنجاز في زيادة مبيعاتها هناك. يبقي القطب الثالث من استراتيجية برينان وهو كما تقول مجلة "الايكونوميست" تنشيط الابتكار عن طريق الاستحواذ علي شركات التكنولوجيا الحيوية مثل شركة ميديميون وشركة كامبردج أنتيبودي تكنولوجي، وإلي جانب ذلك أقامت استرازينيكا معمل أبحاث كبيرا قرب شنغهاي في الصين مزودا بأحدث الأجهزة العلمية، وهكذا يسير برينان في الطريقين معا طريق الأدوية التقليدية وطريق الأدوية الحيوية المستجدة وهدفه في نهاية الأمر زيادة المبيعات من أجل تعظيم الإيرادات وخفض التكاليف من أجل تحقيق أعلي أرباح ممكنة.