فى ديسمبر الماضى، بعد أسابيع قليلة من فوز باراك أوباما بسباق انتخابات الرئاسة الأمريكية، قام ريتشارد كلارك، رئيس شركة ميرك للصناعات الدوائية، بالإعداد لاجتماع مهم مع فريد حسن نظيره بشركة شيرنج بلاو. وفى عالم الصناعات الدوائية، يعد مثل هذا الاجتماع إشارة واضحة على قرب تغير الأوضاع، فمثلما يقع مكتبا الرجلين على بعد عدة أميال من بعضهما البعض فى مدينة نيوجرسى، التى تعتبر تاريخيا بمثابة مركز الصناعة الأمريكية، فالشركتان تتشاركان فى الكثير من الأشياء وبينهما تاريخ من التعاون المشترك. ولكن بالنسبة لميرك، جاء العرض قاطعا. فبالرغم من أن الشركة تعمل بمفردها وهو تقليد تحافظ عليه منذ عقود طويلة، حيث يقوم العلماء العاملون بالشركة بمعظم أعمال الأبحاث والتطوير، إلا أن كلارك اقترح القيام باندماج مع شيرنج بلاو فى صفقة تقدر بنحو 41 مليار دولار. وتأتى هذه الصفقة عشية شراء شركة فايزر لشركة ويث مقابل 68 مليار دولار فى يناير الماضى، وكذلك محاولة شركة روش للاستيلاء على حصص الأقلية فى شركة جينينتك فى صفقة تقدر ب46 مليار دولار، وهو ما سيؤدى إلى المزيد من الكيانات الكبرى فى القطاع. وبالنسبة لميرك، فالهدف من الصفقة يبدو واضحا، فمثل معظم الشركات الكبيرة، تواجه الشركة مشكلة انتهاء براءة الاختراع أو حق التصنيع الحصرى لأدويتها الحالية، وتكافح من أجل إيجاد البديل. ومع انخفاض العائدات والسيولة المتوقعة، وكذلك الهبوط الحالى فى قيمة الأصول، فالوقت يعتبر مناسبا لعقد صفقة ما. وسيؤدى هذا الاندماج إلى تحسين فرص الشركة لطرح الأدوية الجديدة التى لاتزال تحت التطوير فى الأسواق، وسيكون من المناسب أيضا أن تنوع نشاطها لمزيد من المنتجات التى تحقق أرباحا ربما تكون أقل ولكنها ثابتة، مثل الأدوية والمنتجات التى تباع بدون روشتة الطبيب والأدوية البيطرية. مثل هذه التركيبة تتيح لميرك إمكانية خفض التكاليف، مع وجود مخطط لتوفير 3.5 مليار دولار سنويا حتى عام 2012. وقد قامت ميرك بالتعاون مع شيرنج بلاو من قبل فى تطوير عقار فيتورين Vytorin، وهو دواء لخفض الكولسترول. ويصرح كلارك قائلا: إنه لطالما كان معجبا بإدارة فريد للشركة، كما أن الشركتين بينهما الكثير من التشابه. أما السؤال الرئيسى الذى يفسر المفاوضات الطويلة التى حدثت قبل إعلان الصفقة فهو: السعر، فقد تقدمت شركة جونسون أند جونسون للأدوية، مقرها نيوجرسى أيضا، بعرض لشراء شيرينج بلاو، ويرى المحللون أن جونسون قد تكون الأنسب للاندماج مع شيرنج بلاو التى تتميز بوجود عدد من الأدوية المهمة لاتزال تحت التطوير أكثر من أى شركة أخرى، كما أنها لا تقع تحت ضغوط انتهاء حق التصنيع الحصرى الذى تعانى منها معظم الشركات الأخرى. ولكن فريد حسن يقول: إن الشركة تتبع إستراتيجية واضحة وتحقق نموا جيدا ولكن التغيرات التى حدثت فى الاقتصاد العالمى قد غيرت جميع الأوضاع. فهناك صعوبات متزايدة فى الحصول على منتجات جديدة حصلت على الموافقة وكذلك فى إجراء اختبارت للمنتجات على نطاق واسع. لذا أصبح من اللازم أن يكون للشركة قوة للبقاء، كما أن الحجم سيساعد أيضا بلا شك. والشكل النهائى للصفقة ليس واضحا بعد، فمن الناحية الفنية، ستقوم شيرنج بلاو بالاستحواذ على ميرك بالرغم من أنه من الواضح أن الأخيرة هى الشريك الأقوى. ومن الأهداف التى يجب أن توفرها بنود الصفقة تجنب ظهور عبارة «تغيير فى الملكية»، والتى ستجبر شيرنج بلاو على التنازل عن شركتها المشتركة «ريميسيد» لشريكتها جونسون آند جونسون. ويقول بيتر كيم رئيس التطوير والأبحاث فى ميرك أن الشركتين تناسبان بعضهما تماما وأن هناك توافقا بين الأدوية التى تنتجها الشركتان ولا يوجد سوى القليل من الازدواج أو التداخل الذى قد لا يحفز المنظمين للمطالبة بإلغاء الصفقة. وقد تضطر ميرك لدمج أو لبيع أنشطة الأدوية البيطرية وصحة الحيوان على سبيل المثال. وعلى أية حال فإن الإدارة ستواجه حالة كبيرة من التشتت فى محاولتها لدمج الشركتين، وهى خبرة تفتقدها الشركة. السؤال الأكبر هو: ماذا سيكون تأثير الصفقة على قطاع الصناعات الدوائية، هل سيؤدى لمزيد من الاندماجات فى المستقبل؟ «هذه الأشياء تحدث دائما ثلاثا»، كما يقول أحد كبار المستثمرين، الذى أضاف أن قيمة الأصول ليست مرتفعة حاليا وهو الوقت الأمثل للتحرك. من المنتظر أن تؤدى إصلاحات أوباما المقترحة فى قطاع الرعاية الصحية إلى ضغوط متزايدة لخفض أسعار الأدوية، كما أن الحصول على موافقة المنظمين على أى دواء أصبحت عملية صعبة ومكلفة للغاية. من المتوقع أن تكون شركة بريستول مايرز سكويب هى التالية، حيث أبدت شركات أسترازينيكا البريطانية وسانوفى أفنتس الفرنسية اهتماما بالغا بها، وكلتاهما شريكتان للشركة الأمريكية فى تطوير الأدوية، كما أن شركتى أمجن وبايوجن أيدك على القائمة. ويقول أحد المستثمرين: إن المشكلة أنه لا يوجد عدد كاف من المشترين. أما حسن فقد شهد عددا كبيرا من الصفقات، فى الوقت الذى تبدو فيه ميرك ورئيسها ريتشارد كلارك كمحدثين فى مجال الاندماجات الكبرى، أما فريد حسن فهو مخضرم فى هذا المجال، كما يقول أندرو جاك. تولى فريد حسن عددا من المناصب المهمة فى عدد من شركات الأدوية الغربية التى دخلت فى صفقات اندماج ويتوجها جميعا بهذه الصفقة الأخيرة. فبعد حصوله على درجة علمية فى الهندسة الكيماوية من إمبريال كوليدج بلندن، وماجستير فى الأعمال من هارفارد، قضى فريد سنوات عمله الأولى فى سانوز، التى اندمجت حاليا مع نوفارتس السويسرية، حيث كان يدير عملياتها فى الولاياتالمتحدة، ثم انضم بعد ذلك لشركة ويث، التى استولت عليها فايزر أخيرا، وأصبح مديرا بها فى عام 1995. بعد ذلك بعامين، ترك الشركة ليتولى منصب الرئيس التنفيذى لشركة فارميسيا آند آبجون، حتى قامت فايزر بشرائها فى عام 2002، وانتقل بعدها لشركة شيرنج بلاو، حتى وقتنا الحالى. وفى نفس الوقت قام بأدوار مهمة منذ عام 2003 فى الاتحاد الأمريكى لبحوث ومنتجى الدواء PhRMA ونظيره الدولى IFPMA. عن الفايننشيال تايمز