انتهت الحرب العدوانية علي غزة، ودارت رحا المعركة السياسية بين الفرقاء الفلسطينيين مرة أخري، وعاد موضوع المصالحة الوطنية يتصدر أولويات التحركات السياسية الحثيثة خاصة في القاهرة، الحاضنة الرئيسية للحوار الفلسطيني الفلسطيني، لكن لازالت الهوة واسعة بين الأطراف الفلسطينية، بل وازدادت شروط، المصالحة تعقيدا بعد انتهاء الحرب وإحساس حركة حماس بتحقيقها النصر، إذ تفضل حركة حماس أن تنهي ملف التهدئة، وفك الحصار وفتح المعابر في لقاءاتها الماراثونية مع رئيس جهاز المخابرات المصرية الوزير عمر سليمان، قبل الدخول في موضوع الحوار بالنسبة لحماس، فإن موضوع المصالحة منته، وليس لديها تحفظات عليه، لكنها في ذات الوقت تشترط لإتمامه أن يتم إطلاق معتقلي الحركة لدي السلطة الفلسطينية في رام الله، وتنفي السلطة الفلسطينية في المقابل أن يكون في سجونها معتقلون سياسيون من الحركة. ورغم هذا الجدل الذي لا يرسو علي حال، فإن قرار حماس بشأن التهدئة يبدو واضحا وأكثر تحديدا بالنسبة لها في المرحلة الحالية، إذا أبلغ وفد الحركة مصر عن موافقتها علي هدنة لمدة عام قابلة للتجديد، ويتم تقييمها في نهايتها، إذا سحبت إسرائيل قواتها من قطاع غزة خلال أسبوع، وأعادت فتح المعابر الحدودية علي الفور، وتريد حركة حماس أن تشمل التهدئة مؤتمرا خاصا بإعادة إعمار قطاع غزة. ويبدو أن هذه الصيغة لا تعجب حكومة تسيير الأعمال برئاسة الدكتور سلام فياض الذي يرفض مجرد التفكير بأي صيغة أخري لملف إعادة الإعمار غير صيغة التوافق الوطني، فهي الطريق الأسهل والأقصر، لأن أي حلول أخري من شأنها أن تكرس انفصال غزة عن الضفة، وبعدها لن تعود هناك إمكانية للوحدة وتكون رام الله في المرحلة الحالية معنية باتفاق علي مسألة واحدة هي تشكيل حكومة توافق وطني تتولي إعادة الوحدة وإعادة الإعمار، أما الاتفاق علي جميع القضايا المختلف عليها سيمكن تأجيلها إلي وقت لاحق. وعلي الرغم من أن المتحدثين باسم حركة حماس يعلنون أن حركتهم مستعدة للوحدة في حال وفرت السلطة المساحات المناسبة لذلك، إلا أن القرار الداخلي يغلب الانتظار وعدم الاستعجال، لأنها تري أن مبادرة السلطة غير نقية ولا تحمل في طياتها النزاهة، بل جاءت لأن الحرب اضعفتها وأظهرتها بمظهر الصامت أو العاجز أو من المنتفع من هذه الحرب الدموية التي حصدت الأطفال والنساء، ولدي حماس يقين وثقة بالمعلومات التي حصدتها تفيد بأن جهات من فتح كانت متآمرة في هذه الحرب، كما أن ثمة عاملا آخر يجعل حماس أكثر ميلا للانتظار في هذه المرحلة وهو التغيرات السياسية المرتقبة في مرحلة ما بعد الحرب، مرحلة ما بعد مغادرة الرئيس جورج بوش وتولي الرئيس الجديد باراك أوباما، بالإضافة إلي أن إتصالات مسئولين في قنصليات وسفارات فرنسا وإيطاليا، وهي اتصالات استكشافية مع حماس قد زادت بعد الحرب تري فيها حماس واقعا جديدا إضافيا لقواتها في صراعها مع فتح، لذا كانت شروط حماس للحوار اليوم تختلف عما كانت عليه قبل الحرب، وفي مقدمة هذه الشروط اعتراف فتح بشرعية حكومة هنية، وقبول الشراكة في منظمة التحرير والسلطة، والاستعداد العملي لإعادة بناء الجهازين الأمني والإداري للسلطة بما يتلاءم ونتائج الانتخابات التي فازت فيها حماس بغالبية.. ساحقة، وبالطبع فإن ذلك لن تقبله فتح وهي المتحكمة في المنظمة وبهذين الجهازين. لقد رفعت حماس سقف مطالبها باعتبار أنها أنجزت انتصارا، لكن واقع الأمر أن المدنيين هم الذين صمدوا وهم الذين انتصروا، لما دفعوه من غال ونفيس في هذه الحرب كقربان تضحية يعبر عن روح الصمود والصبر. إن من حق الفلسطينيين جميعا المشاركة في القرار الفلسطيني، وليس جهة بعينها سواء كانت حماس التي قطفت ثمار الانتصار، أو السلطة الفلسطينية التي لا تريد القفز علي هيبتها وصلاحياتها ووضعها السياسي. ربما تكون حركة حماس هي المسيطرة علي الأرض في قطاع غزة، لكن لا يمكن بأي حال إغفال القيادات السياسية الأخري للشعب الفلسطيني والتي قطعا ستساند وتدعم أي اتفاق يحقق المصلحة الوطنية لشعبها. ان الاجتماعات التي ستشهدها مصر في الأيام القليلة المقبلة مع التنظيمات والقوي الفلسطينية تأتي في إطار التشاور مع هذه القوي لاستطلاع آدائها والاستماع لمقترحاتها قبل إبرام اتفاق التهدئة، ضمن حق جميع الفصائل في أن تبدي آراءها فيما يخص مصلحة الوطن وليس حماس فقط أو السلطة الفلسطينية وإعادة الوحدة الفلسطينية أمر غير قابل للتحقق دون إعطاء فرصة لكل الفصائل بما فيها حماس، ودون ذلك فإن فرص نجاح الحوار في ظل استمرار المفاوضات غير المجدية والتجاذبات والاتهامات المتبادلة بين السلطة وحماس بالذات غير قابلة للتحقق، بل تزداد الأمور تعقيدا خاصة في ضوء تعزيز حركة حماس لمكانتها بعد العدوان الإسرائيلي وطلبها اعترافا دوليا بشرعيتها حسبما تقول، لذا فإن حالة الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة تستدعي الحكمة، وإعادة النظر في الأوضاع القائمة إقليميا ودوليا من قبل الفصائل الفلسطينية إذا كانت ترغب في مصالحة حقيقية تعيد للوطن لحمته وتعيد للقوي الوطنية قوتها من خلال التفافها حول المشروع الوطني الفلسطيني الموحد.