لعل ما أكدته الوقائع الأخيرة في المنطقة أن الأحداث الجسام لا تحرك العرب ولا تدفعهم صوب تفعيل أي موقف علي أرض الواقع أما ما يحركهم فهو التنافس فيما بينهم كل يحاول أن يبز الآخر ليتصدر الواجهة ويظهر بوصفه الرائد والقائد الحقيقي ومن ثم ظهرت الدول العربية ضعيفة عاجزة ولا تقوي إلا علي كيل الاتهامات لبعضها البعض وهذا بالضبط ما عكسته التطورات الأخيرة، فما أن أعلن عن عقد قمة في الدوحة يوم 16 يناير الحالي حتي سارعت السعودية لتدعو إلي قمة دول الخليج في الرياض في 15 يناير ثم تنتقل العدوي إلي مصر لتعقد بدورها قمة في شرم الشيخ في 18 يناير. * قمة شرم الشيخ قمة شرم الشي كانت دولية للتشاور حول موضوع غزة ولكنها سحبت البساط من تحت أقدام قمة الكويت حيث عقدت تحت شعار تثبيت وقف اطلاق النار والحيلولة دون تهريب السلاح إلي غزة واعادة اعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي وبالتالي لم يكن هناك ما يستدعي بحث موضوع غزة سياسيا في قمة الكويت الاقتصادية بل وحتي إنشاء صندوق لاعمار القطاع تبنته قمة الدوحة وتبنت إنشاءه وقامت قمة شرم الشيخ بتدويله التحركات بدت متسارعة ولأن التجاذبات بين القادة العرب هي التي فرضتها فلقد ظهرت وكأنه لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية وأن الاساس في عرضها هو حب الظهور ولا أدل علي ذلك من أنها جميعا لم يكن لها مردود في حسم المواقف في غزة ووقف المحرقة. * الاتفاق الأمني وأوباما وعلي حين بدت تحركات العرب في واد كانت إسرائيل تخطط لكل شيء بالتنسيق مع إدارة بوش قبل رحيلها عن البيت الابيض، كان من الضروري لإسرائيل أن تتخذ آية خطوة تقلب بها الطاولة علي العرب ومن ثم رأينا ليفني تسارع بالذهاب إلي واشنطن ويتم التوقيع بينها وبين رايس في 16 يناير علي اتفاق أمني تضمن بموجبه أن تقوم أمريكا وبمساعدة الناتو علي منع تهريب أي سلاح إلي غزة من خلال نشر قوات دولية علي جانبي الحدود بين مصر وإسرائيل وهو اتفاق سيفرض علي إدارة أوباما الرئيس الأمريكي الجديد الالتزام به خاصة وهو الذي يكن الود والحب لإسرائيل والأكثر حرصا علي دعم أمن إسرائيل. * ما الذي يعنيه الاتفاق الأمني؟ باتت إسرائيل بالاتفاق الأمني المذكور في حل من ابرام أي اتفاق مع الطرف المقابل "حماس" وعليه بادرت فأعلنت وقف اطلاق النار من طرف واحد ولاشك بأن الاتفاق الأمني الثنائي هذا قد أبقي الأمور علي ما هي عليه خاصة بالنسبة للحصار الذي مازال مفروضا وبالنسبة للمعابر التي لماتزال مغلقة ولاشك أن هذا الاتفاق شكل عنصر المفاجأة وجري بشكل انفرادي دون التشاور مع مصر التي ما لبثت أن صعدت لهجتها ضده. الجدير بالذكر أن صفقة الاتفاق الأمني كانت هي المقابل لإعلان إسرائيل وقف اطلاق النار لاسيما وأن الصفقة تشتمل ضمنا الحصول علي ضمانات من مصر وأمريكا بالحيلولة دون اعادة تسلح حماس عن طريق التهريب إلي غزة كما تشمل. علي موافقة أمريكا علي توفير المعونة الفنية والاستخباراتية علي الحدود المصرية مع غزة لمنع تهريب حماس للسلاح، والصفقة تلزم امريكا والناتو بملاحقة واعتراض شحنات الاسلحة إلي غزة من ايران أو غيرها. احتواء غضب مصر.. ولاشك أن الاتفاق الأمني هذا يعد مكسبا لاسرائيل احرزته من محرقتها في غزة فبإمكانها القول بأن ما أرادته من عملياتها العسكرية قد تحقق ألا وهو وقف تهريب السلاح، غير انه أثار غضب مصر التي صعدت لهجتها إلي حد ان تصريحات الوزير أبو الغيط تغيرت 180 درجة ويكفي ما قاله في أعقاب التوقيع علي مذكرة الاتفاق المذكورة من ان مصر غير ملزمة بالاتفاق وانه لا يلزم مصر إلا أمنها القومي، ولهذا شرعت أمريكا وإسرائيل في تهدئة الأمور مع مصر فأشادت أمريكا بجهودها ووفرت لها فرصة انعقاد قمة شرم الشيخ التي ضمت رؤساء ووزراء بريطانيا وايطاليا واسبانيا ومستشارة المانيا عوضا عن ساركوزي ورئيس تركيا وملك الأردن. لم تربح إسرائيل سياسياً وخلافا للاتفاق الأمني بين اسرائيل وامريكا فلعل الانجاز الذي حققته اسرائيل في هذه المحرقة هو قتل الاطفال والنساء والشيوخ وتدمير أكبر عدد ممكن من المنازل والمساجد والمقرات الحكومية، وهي حرب همجية جاءت لتؤكد للعالم صورة اسرائيل كسفاح هوايته القتل والابادة الجماعية ومن ثم ترسخت صورتها كبؤرة للإرهاب، وبذلك فإن اسرائيل لم تربح سياسيا ذلك أنه لم يقض علي حماس ولم تغير المعادلةة في غزة كما أعلنت ليفني في زيارتها لمصر في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي أي قبل اندلاع المحرقة ب 48 ساعة.. ويكفي أن ما قامت به إسرائيل لم تستطع من خلاله أن تعبئ مواطني غزة ضد حماس، فصمد الشعب طوال ال 23 يوما رغم القصف والحرق والإبادة واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا بما فيها القنابل الفوسفورية وقنابل أخري استحدثتها إسرائيل تسمي "دايم". وضع النقاط علي الحروف رب ضارة نافعة، فالحرب علي غزة كشفت الكثير من الأوراق، عرت أنظمة عربية، سلطت الضوء علي الموقف الأوروبي الذي يكيل بمكيالين، رسخت المقاومة كثقافة لا يمكن لأحد إنكارها، أظهرت زيف وخداع مفاوضات السلام العبثية التي غرق فيها محمود عباس والتي لم تسفر إلا عن مكاسب لإسرائيل في توسيع الاستيطان وقضم الأراضي وتهويد القدس، وأظهرت لعبة الخداع الكبري التي رعتها أمريكا بالنسبة لعملية السلام ووعد إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة.