هذا خبر لم يعد مفجعاً ولا استثنائياً، بل معتاداً بعد أن تزايدت هذه النوعية من الأخبار في وسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة حتي كادت أن تصبح روتيناً خاصة في ظل تعدد القضايا التي تنظرها المحاكم حالياً. والخطورة الكبيرة في امتداد هذه النوعية من المشكلات التي يعانيها الشارع المصري حالياً إلي قطاع التعليم، وتكمن حساسية المشكلة في السلطة المعنوية التي يملكها المدرس تجاه الطلبة. فرجل التعليم عندما يكون مصاباً بأمراض الإنحراف الاجتماعي لابد أن يبتعد علي الفور عن دوره ووظيفته مثله في ذلك مثل صاحب العمل الذي يتحرش بموظفة أو سكرتيرة، أو الطبيب عندما يتحرش بمريضة.. وقد غلظ قانون العقوبات هذه الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين لديهم سلطة معينة تجاه المجني عليهم. والمدرس قبل أن نشترط أن يكون كفئاً في النواحي العلمية، يجب أن يكون متزناً أخلاقياً وسلوكياً، ولا يتفوه بألفاظ نابية، ويتحكم في سلوكه وأعصابه، وليس عنيفاً في ردود أفعاله.. لأن أي عنف مرفوض تماماً في التعليم ومع التلاميذ بشكل مبدئي. وبين يدي مشكلة سمعتْها مرة من الوالدين، ومرة من التلميذة.. وكنت حريصة علي أن أنصت بأذني إلي فتاة الإعدادي حتي أتاكد من خلال تفاصيل سرد الرواية إلي مدي حقيقة المشكلة.. وأحتفظ بالأسماء لأن الهدف هو طرح القضية والتوصل إلي لفت نظر المسئولين إليها ولدي كافة التفاصيل لمن يريدها. الفتاة مريم "......" بمدرسة خاصة للغات في مدينة نصر "......." بالسنة الثالثة بالمرحلة الإعدادية تشتكي من مدرس الرياضيات ويدعي "ياسر" والذي يصر علي التحدث بلغة منحطة ويستخدم ألفاظاً جنسية، فيشير إلي الأعضاء التناسلية، ويطلق عليها بعض الأسماء "الهابطة" أمام التلاميذ والتلميذات، ويتعمد أن يشير أيضاً إلي "صدور" التلميذات.. كما يحرجهن بكلمات جنسية خلال أي أحاديث بدون أي مبرر غير الاستفزاز ولفت أنظار أولاد مراهقين ومراهقات، مازالت مداركهم في طور الانفتاح والتشكيل. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إنه تعمد أن يخبرهم أن "عضوه التناسلي" يطلق عليه كلمة "......!"، وسأل التلاميذ إذا كانوا بدورهم يطلقون كلمة معينة علي أعضائهم التناسلية حتي يتمكنوا بعد ذلك من تبادل هذا الحديث بلغة رمزية.. وغير ذلك من البذاءات التي يعاقب عليها القانون دأب علي ترديدها المربي وهو من المفروض أن يكون في مستوي الدور التربوي والتعليمي الموكول إليه، ولكنه شخص منحرف أو مريض وفي الحالتين يعبر عن خلل نفسي واجتماعي صادم لأي أسرة حريصة أن تعلم أبناءها الفضيلة، وتنهي عن البذاءات الموجودة في الشارع، لكن ما العمل وقد تسللت تلك السوقية، والبذاءات الجنسية إلي داخل فصول العلم والدراسة؟!. وإذا كان المدرس في فصله علي هذا الخلق السيء، فإن الحل في الرقابة، والمتمثلة في إدارة المدرسة.. وقد تعددت شكاوي التلميذات من هذا المدرس إلي المديرة (السيدة ميرفت).. وبدلاً من أن تتدخل بكل حزم، وبخت التلميذات، وأعطتهن درساً في ضرورة احترام "المدرس" الأستاذ ياسر! كما حذرتهن من مغبة تكرار هذه الواقعة، أو من أي شكوي قادمة في نفس الموضوع. وأمام هذا التخاذل من الإدارة، فإن الحل الوحيد هو اللجوء إلي مدير إدارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم، وقبل ذلك إلي المسئول الأول عن التعليم الدكتور يسري الجمل ولدي قناعة وإدراك كبيرين بأنه سوف يهتم بهذه الشكوي، وقد لمست حرصه الشديد في واقعة سابقة نشرت عنها في عمودي، علي معرفة تفاصيل تلك المشكلة والتحقيق فيها، ومعاقبة المتسببين بها. والدكتور يسري الجمل قبل أن يكون وزيراً ومسئولاً فهو أب، ولا يمكن أن يسمح بهذه الانحرافات الأخيرة داخل المدارس، حتي لو كانت الواقعة تمس مدرسة خاصة، ففي النهاية المدارس الحكومية والخاصة تخضع لإشراف الوزارة مباشرة، والقواعد العامة لابد أن تسود، ويكفي هذا التدهور في أخلاق الشارع، وكلنا نسمع ألفاظاً نابية في شوارعنا لكن نرفض أن تمتد إلي فصول العلم. ** كشف طبي ونفسي أناشد الوزير أن يخضع المدرسون سنوياً إلي كشف طبي ونفسي حقيقي لمعرفة مدي تأهيلهم للقيام بعملهم، لأن مهنة التدريس من نوعية خاصة جداً، فلابد أن يتوافر فيها مواصفات رفيعة المستوي علي رأسها السلامة الصحية والنفسية والقدوة الحسنة، وحسن الخلق والأخلاق والإتزان النفسي، وادرك تماماً أننا أصبحنا نبتعد يوماً آخر عن هذه الحزمة الضرورية من المواصفات ولكن لا يعني ذلك الاستسلام إلي الواقع المرير والردئ، ودورنا جميعاً مقاومة هذا التردي والسوء.. وإذا كان العديد من الناس يلجأون إلي المدارس الخاصة لأن رقابة الإدارة علي كافة التفاصيل العملية التعليمية أكثر تشدداً والمشاركة فيها من أولياء الأمور أكبر فإن هذه "الرفاهية" التي يدفع الآباء مقابلاً مادياً كبيراً لها، لم تعد متحققة بالضرورة في المدارس الخاصة. لقد دخلت سوءات المجتمع إلي كل القطاعات والأماكن بما في ذلك المدارس الخاصة، ولابد من وقفة حتي ننقي المدارس من المرضي والمنحرفين.