أظهر تقرير اقتصادي في "أوبك" أن قرار منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" بخفض الإنتاج لم يكن مؤثرا، خاصة منذ قررت قبل أيام التعجيل باجتماعها لمواجهة الهبوط الحاد في الأسعار. وكانت التقديرات تتحدث عن مليون برميل يوميا، آخذة في الاعتبار أن دولا رئيسية كالسعودية ربما تقاوم رغبة دول أخري كإيران وفنزويلا بخفض كبير في الإنتاج، وجاء الخفض أكثر من المتوقع قليلا. إلا أن قرار أوبك خفض 1،5 مليون برميل يوميا لم يصدم الأسواق، وواصلت اسعار البترول الهبوط متأثرة بالمخاوف بشأن الركود الاقتصادي العالمي. ولربما كان ذلك متوقعا أيضا من قبل بعض المحللين، إذ إن السوق البترولية الآن مشبعة بعرض كبير من الخام يفوق الطلب الآخذ في التراجع، وتذهب بعض التقديرات إلي أن فائض العرض عن الطلب يزيد علي 4 ملايين برميل يوميا. الأزمة والبترول بدأ التراجع الحاد في أسعار البترول في الأسابيع الأخيرة، مع زيادة حدة الأزمة المالية العالمية ليفقد البرميل أكثر من نصف سعره في غضون أيام قليلة. ومع أن الأزمة الحادة الحالية طالت القطاع المالي تحديدا، اثر انهيار القطاع العقاري الأمريكي صيف العام الماضي وما تلاه من هبوط في القطاعات العقارية في دول أوروبا الرئيسية، إلا أن التأثير السلبي لم يقتصر علي أسواق الأسهم والمؤسسات المالية بل طال بقية أسواق السلع. وعندما بدأت أزمة الرهون العقارية الأمريكية العام الماضي وأخذت أسواق الأسهم في التخبط اتجه كثير من المستثمرين الساعين إلي الربح السريع والكبير إلي أسواق السلع وكان ذلك أحد عوامل ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمنتجات الزراعية نتيجة المضاربات الكبيرة من صناديق الاستثمار علي عقودها المستقبلية. بالطبع كان سوق البترول هدفا رئيسيا لتلك المضاربات، ونتيجة دخول المستثمرين بكثافة إلي سوق العقود الأجلة ارتفعت الأسعار حتي زادت عن 140 دولارا للبرميل في يوليو الماضي. ومع تعملق الأزمة المالية والانهيارات في أسواق الاسهم بدأ المستثمرون يصفون مراكزهم علي عجل - ومنها ما في سوق العقود النفطية الأجلة - في ظل عدم اليقين المحيط بالأسواق وبوادر الركود في الاقتصاد العالمي. بالطبع كانت تصفية المراكز هبوط أسعار البترول، لكنها لم تكن مبررا لأن تفقد أسعار البترول أكثر من نصف قيمتها ليقترب سعر البرميل من 60 دولارا، أساسيات السوق. فمن أسباب التراجع في أسعار البترول أيضا أن أساسيات السوق من عرض وطلب أخذت في التغير نتيجة الأزمة الأخيرة وبوادر الركود الاقتصادي. وبالفعل راجعت غالبية المؤسسات توقعاتها للطلب علي الطاقة بالسلب مع بوادر تراجع الطلب الأمريكي إلي أقل من 18،5 مليون برميل يوميا في الأسابيع الأخيرة - علما بأن الولاياتالمتحدة تستهلك ما يقرب من ربع الطاقة في العالم. وكانت السوق قد شهدت وفرة في الإنتاج في الأشهر الأخيرة نتيجة ارتفاع الأسعار، أما استجابة لضغوط سياسية من الدول الصناعية الكبري علي أوبك، أو لمحاولة بعض الدول التي لديها قدرات إنتاج إضافية ولو قليلة الاستفادة من ارتفاع الأسعار في زيادة دخولها. وحتي قبل التراجع في توقعات الطلب مؤخرا، كان هناك دائما فائض من المعروض البترولي مقابل الطلب يزيد علي مليون برميل يوميا، وهو ما قررت أوبك الآن سحبه من السوق. والآن مع توقعات تراجع الطلب والانهيار الذي بدأت تعاني منه شركات السيارات في العالم والركود الاقتصادي المتوقع أن يكون طويلا، يتضاعف فائض العرض هذا مما يجعل السوق مشبعة جدا بالإنتاج ويضغط علي الاسعار أكثر نحو الهبوط. والمفارقة اننا مقبلون علي الربع الرابع من العام والأول من العام المقبل، وهي فترة تشهد زيادة موسمية في الطلب نتيجة الشتاء في نصف الكرة الشمالي وزيادة الطلب علي زيت التدفئة. إلا أن هذا التصحيح الموسمي ربما لا يكون كافيا لضبط أساسيات السوق في ظل معدلات الإنتاج الحالية والطلب المتوقع. كما أن الحديث عن فك ارتباط الاقتصادات الصاعدة عن الاقتصادات المتقدمة أثبت إنه غير ذي معني في الأزمة الأخيرة، وبدأت اقتصادات صاعدة كالصين وغيرها تتحسب لتباطؤ اقتصادي إن لم يكن ركودا أيضا. ومن شأن ذلك أن يزيد من مشكلة تراجع الطلب علي الطاقة نتيجة تراجع النشاط الصناعي والتجاري والخدمي في الاقتصادات الرئيسية المستهلكة للطاقة. مشلكة أوبك ومشكلة أوبك أنها لا تضم كل منتجي ومصدري النفط في العالم، وأن كانت تصدر القدر الأكبر من الاستهلاك العالمي، ومن ثم فإن خفضا في تلك الحدود قد يتم تعويضه من منتجين خارجها. كما أن هناك عاملا سياسيا، إذ لا تريد المنظمة أن تبدو غير أبهة بما تعانيه الاقتصادات الصناعية الكبري من مشاكل وتخفض الإنتاج بما يضبط أساسيات السوق مثيرة هجوما سياسيا عليها. وداخل أوبك ذاتها لا يوجد اتفاق محدد علي هامش سعري مناسب يوافق الجميع، فعلي سبيل المثال يتراوح السعر المناسب لبرميل النفط بما يلبي خطط الاقتصادات المختلفة ما بين 50 دولارا وأكثر من 80 دولارا للبرميل. كما أن فترة الوفرة النفطية جعلت الكثير من الدول المنتجة تبدأ في مشروعات كبيرة لا شك أنها ستتأثر الآن بتراجع العائدات البترولية من ناحية والركود الاقتصادي العالمي من ناحية أخري.