امتلأت الصحف المصرية بتغطية أخبار زيارة أليدا جيفارا إلي مصر، واحتفت بها مختلف وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي، وكان التكريم لوالدها أحد ثوار العالم الخالدين في شخصها. وعلي عكس ما شعر به زميلي العزيز الكاتب الصحفي سعد هجرس عندما حدثني أنه استيقظ فجأة ليجد مصر بجرائدها وتليفزيوناتها قد أصبحت "يسارية" وأن بعض كتابها وصحفييها قد تحولوا من اليمين إلي اليسار، فإني رأيت في هذا الموقف، رغم جمال خيال كاتبنا الكبير، توحدا بين كل الاتجاهات، والأفكار، وعلي اختلاف الأجيال حول فكرة عميقة مهمة حملتها مسيرة الثائر تشي جيفارا وهي الانحياز للحق والعدالة والتغيير والانتصار للقضايا العادلة كالحرية واستقلال الشعوب. وتلك هي جوهر أية رسالة أو أية أيديولوجيا يسارية أو يمينية أو ما بينهما. ولأن هذه المعاني كبيرة في مضمونها وعميقة في رسالتها فإن جيفارا لم يمت عام 1967 عندما اغتالته أجهزة وكالة المخابرات الأمريكية، بل استمر ليعيش أبداً وليتواصل برسالته مع كافة الأجيال حتي تلك التي لم تعاصره، وتعلمت من حكاية تروي عنه أو من قراءة سيرته. وهو ما أعاده إلي أذهان أربعة أجيال من الصحفيين اجتمعوا علي "غداء" الزميل العزيز كمال جاب الله نائب رئيس تحرير الأهرام في مطعم هذه المؤسسة، باعتباره رئيسا لجمعية الصداقة المصرية الكوبية. وعبر كل جيل عن أفكاره، وعما يمثله جيفارا بالنسبة له. الصديق العزيز عبد الله السناوي رئيس تحرير العربي الناصري قال إن الثورات يمكن أن تموت أو تتحور، وهناك العديد من القيادات فجروا الثورات واكتفي التاريخ بوصفهم بقادة لتلك الثورات، لكن جيفارا تجاوز ذلك لأنه فكرة خالدة، لن تنساها الأجيال مهما تباعد الزمن.. وقالت الزميلة العزيزة لميس الحديدي إنها تأتي من مشارب فكرية مختلفة، فهي تؤمن بالليبرالية، ولم تنتم يوماً إلي صفوف اليسار لكن والدها الذي تعلمت منه الكثير عن تشي جيفارا قال لها إن أهم قيمة نتعلمها من هذا الثائر الرغبة في التغيير، والإرادة القوية لتحقيق ذلك والإصرار عليه. فإرادة الشعوب للتغيير لا يقف أمامها مستحيل. وتحدث الزميل القدير حسن عامر عن التي شيرتات التي يشتريها في كل زيارة إلي أمريكا وعليها صورة جيفارا، وأن المفارقة في أن البلد الذي عاش يحاربه وكتب نهايته المفجعة باغتياله، لم يستطع أن يمنع عشق الأمريكيين لهذه الشخصية ولهذه القيمة، ولم تفلح محاولاتهم لطمس سيرته، لا وهو حي ولا بعدما اغتالوه، فقد كان الأشد عداوة لهذا النظام وشكلت ثوراته في أمريكا اللاتينية حركة مستمرة ضد الظلم الأمريكي، ولصالح استقلال القرار في تلك الدول الفتية. الفنان الكبير بهجوري ورسام الكاريكاتير جمعة قام كل منهما بتحية أليدا جيفارا بطريقته المتفردة في الرسم. وقد قلت بدوري للدكتورة أليدا إن الناس لا يختارون آباءهم، وعندما يولد شخص لأب اسمه جيفارا فإن الله بالتأكيد راضٍ عنه، خاصة أنه جلب له من خلال تحليقه في العالم وكسر جميع الحواجز والحدود الجغرافية، أصدقاء وأشقاء من شتي الأنحاء.. وذلك زاد جميل "لأننا كلنا أصدقاء لك". ورغم أني من جيل ارتبط لديه تشي جيفارا بهزيمة ،1967 وهي تاريخ اغتياله أيضا، فقد عشقته لأنه أعطاني الأمل في إمكان تحقيق الأحلام الكبيرة والعادلة للشعوب ولم يجذب اهتمامي أنه ماركسي، أو لينيني أو حتي ماوي، بل لفت نظري أنه طبيب ثائر كرس حياته لتحقيق أفكاره وأحلامه في التحرر والانعتاق. أما أليدا فقد قالت في كلمتها البسيطة ولكن العميقة الكثير من المعاني المهمة.. منها اننا لابد أن نأخذ من جيفارا الشيء الذي ينفعنا، فقد كان والدها لا يؤمن بأي معتقدات دينية، لكن يؤمن بالقوة التي يمتلكها الكائن الحي لإحداث التغيير المنشود، وتلك أهم ميزة لديه أنه كان واع بما كان يريد أن يفعله. أضافت طبيبة الأطفال أليدا أن كل إنسان لديه احتياجات قد تكون مختلفة عن غيره، وهو حر في التعبير عنها لكن مهم أن نتعلم كيف نحترم هذا الاختلاف، ومن هذا المنطلق فهي لا تري أنها أفضل من شخص آخر لأنها ابنة جيفارا، لأن ذلك لا يعطيها ميزة أو قيمة في الحياة، لكن ما يعطيها القيمة الحقيقية هو أن تكون مفيدة، وتستطيع مساعدة شخص آخر.. وإذا أردنا تغيير الظروف في الواقع الذي نعيشه فلابد أن نؤمن بوحدتنا كشعوب وقدرتنا علي الاستفادة من تجاربنا، وتعلم الاشياء المختلفة عما هو موجود في تجاربنا، ونتبادل ما ينقصنا وبهذه الطريقة فقط يمكن أن نواجه أي "عدوّ" مشترك، وتؤكد أليدا أن الطريق طويل لكن يجب أن نسير فيه، ولا يمكن أن نطلب شيئاً من شخص لا نستطيع أن نقوم به بأنفسنا. فنحن البشر، مميزون علي وجه الأرض عن الكائنات الأخري، بالقدرة علي الحلم، ولكن أيضاً لابد أن تتوافر الإرادة لتحقيقه. "لا يمكن أن نبطل نحلم، ونتوقف عن تحقيق أحلامنا.. بذلك فقط سنكون كائنات بشرية أفضل وأكثر إفادة".. هذا ما عكسه جيفارا في حياته بالنسبة للابنة أليدا. وكرد علي عبارات الثناء للزملاء الأعزاء فريدة الشوباشي، جمعة، وخالد صلاح واستحضارهم لأغنية الشيخ إمام وكلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم "جيفارا مات.. يا حزن كل الأمهات".. قالت أليدا أنها تستحضر بالمثل كلمات أغنية أرجنتينية: "إذا متّ لا تبكِ علي، بل اعمل بالضبط ما كنت أعمله.. لأني بذلك سأعيش!". واستطردت: "لا أريد أن نبكي علي موتانا، ففي كل يوم نعيشه، ونحاول أن نحلم، وأن نحقق حلمنا سيظل يعيش جيفارا وغيره داخل كل واحد منا". أليدا أنت ابنة عادية.. هذا ما حاولتِ أن تقوليه في رسالتك إلينا، وأنه لا فضل لوالدك عليك، إلا بما أخذتِه من سيرته وعمله، وطبقته في حياتك وعملك.. فشكراً علي تواضعك، وعلي الدرس الذي يحتاجه كل أبناء المسئولين، والمشاهير في بلادنا!