سعدت سعادة بالغة، باللفتة الذكية لنقابة الصحفيين، في تكريم شيوخ الصحافة، وفي مقدمتهم الأستاذ محسن محمد. والأستاذ محسن صاحب تجربة فريدة في الصحافة المصرية اعتقد بضرورة أن تدرس في كليات الإعلام وأقسام الصحافة. كيف يمكن أن تحول ورقاً مهملاً لا يساوي ثمن الحبر المطبوع به إلي جريدة حية جماهيرية ناجحة. وهذا ما فعله الأستاذ محسن مع جريدة الجمهورية. نشأت الجريدة في الأساس باعتبارها المعبرة عن "الجمهورية في مصر"، في أعقاب النظام الملكي. قبل الثورة كانت هناك عدة جرائد، انتهي الأمر بجريدتين، هما الأخبار والأهرام، ووجد بعض قادة الثورة أن الجريدتين -وقتها- لا تعبران عن الثورة وفكرة الجمهورية، من هنا نشأت فكرة إقامة جريدة مرتبطة بهذه الفكرة تولاها في البداية محمد أنور السادات. دارت الأيام، وصعدت الجريدة، وهبطت أيضا، وأصبحت منشوراً رسمياً، لا طباعة ولا أخبار، ولا شكل، رغم وجود عباقرة الإخراج، مثل الفنان الراحل الكبير عبدالغني أبو العينين، وتركها القراء، ولم يعودوا يهتمون بها، لأنها باختصار لم تكن تهتم بهم. ودارت الأيام مرة أخري وجاء الأستاذ محسن محمد علي رأس هذه الجريدة المهملة، غير المقروءة، التي تركها الناس. وكان التحدي الأكبر أمامه.. كيف يمكن أن تتحول هذه الجريدة من السفح لتشارك الأخرين في القمة. واعتقد أن الأستاذ محسن وضع يده علي الحل السحري البسيط "الناس" وهي كلمة يري صديقي د.عبدالمنعم سعيد رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن الإسراف في استخدامها أمر غير علمي ولكن فليعذرني د. عبدالمنعم في استخدامها، لأن هكذا حدث وهي تعبير أوسع من تلك القراء. لقد أصبحت الجريدة مهملة، لأنها لم تضع القاري -أوالناس- واهتماماتهم في مقدمة اهتماماتها، كانت مهمته أكثر بكونها ترضي المسئولين وتعبر عنهم، وهم في حالة وجد بالذات والانجازات التي سيكتشف أغلبها بعد ذلك أنها غير حقيقية. ماذا فعل الأستاذ محسن، وأقولها هنا -كتلميذ متابع- قرر أن يتجه إلي الاهتمامات البسيطة، أن يجد القراء أنفسهم في الجريدة أن يشعر كل منهم كما لو كانت هذه الجريدة موجهة له شخصيا. كانت صور أشخاص بسطاء تمت ترقيتهم من الدرجة السادسة إلي السابعة في وظيفة غير معلومة تحتل مكانات بالصفحة الأولي، وتهاني بمناسبة عيد ميلاد أحدهم، لها أيضا مكان وكل شخص من هؤلاء له عائلة وأصدقاء، ومعارف، يشترون الجريدة تحية له أو لأنهم يريدون يوما أن يروا اسمهم أو صورتهم تتصدر الصفحة الأولي دون أن يكونوا متهمين في قضية، أو ضحايا حادثة. اعتمد الأستاذ محسن علي مجموعة من الشباب الذين أعطوا دفعة للجريدة في مختلف المجالات والصفحات، وتحولت الجمهورية وقتها إلي جريدة ناجحة جدا، بعد أن كانت غير مقروءة. تحية لنقابة الصحفيين وتحية للأستاذ محسن محمد الذي أشرف بوجود اسمه علي جريدة "العالم اليوم" في مقدمة العاملين بها كمستشار للتحرير وتحية هذا العقل الصحفي الذي طرق مجالات جديدة، وفكر بشكل مختلف أمد الله في عمره وجعله في عون الآخرين.