نعم مطلوب تدخل البنك المركزي ووزارة الاقتصاد في عمل البنوك التي تصدر بطاقات ائتمان لصغار الموظفين بمبالغ تفوق قدراتهم علي السداد. واظن ان عملية سقوط امبراطوريات التدليس الكبيرة بالولاياتالمتحدة المسماة بالشركات المالية العملاقة تحمل الكثير من الدروس في ضرورة الرقابة علي عمل البنوك وكيفية الاقراض، ولمن نقرض، فليس من المعقول ان نقرض موظفا مرتبه لا يزيد علي الخمسمائة جنيه بطاقة ائتمان يشتري بها بضائع بخمسة آلاف جنيه. إننا ببساطة نقدم الخراب المستعجل لكثير من البيوت المنهكة اقتصاديا فوق ما يتحمل أي مجتمع. أكتب ذلك وقد راقبت اثناء رحلة العمر كيف يعيش المواطن الامريكي محاصرا ببطاقات الائتمان، وقد عرفت استاذا جامعيا عاش بقية حياته علي الرصيف بعد ان تسببت بطاقات الائتمان في خراب بيته وبيع محتوياته بالمزاد العلني، وتحول إلي كائن يسير في طرقات نيويورك يبحث عن ملجأ ومكان نوم دافئ، وما اقسي ان تري انسانا علي هذه الدرجة من العلم، وهو يعيش متنقلا وهاربا وليس له مقر اقامة، ويشترك في جمع علب العصائر الغازية كي يبيعها لمستهلكي الخردة وذلك من اجل وجبة ساخنة كل يومين، أما الطعام الغالب فهو بقايا الاطعمة من أي سلة مهملات في أي مطعم هامبرجر. وأقسم بالله أنني لا أبالغ، ويمكن لأي انسان عاش في الولاياتالمتحدة لمدة شهور ان يحكي عن مسلسل المآسي الذي رآه هناك من افلاس العديد من البشر وفقدانهم مكانتهم الاجتماعية والسبب هو بطاقة الائتمان الملعونة. وكثيرا ما تتعجب زوجتي لأني استخدم بطاقة الائتمان واقوم بسداد ما علي قبل الخامس والعشرين من كل شهر، أي قبل موعد استحقاق أية فوائد علي المبالغ التي اشتيريت بها أية بضائع. وسر هذا الحرص هو ببساطة رغبتي في ان استفيد بوجود تلك البطاقة في جيبي بديلا عن النقود، وفي نفس الوقت لا اسمح لها بأن تجرني إلي مالا أحب ولا أرغب. فعن نفسي وبعد رحلات طويلة مع "الجمعيات" واقساطها، وحساب مواعيد اقساط المدارس والجامعات، وبعد ان انهيت تعليم أبنائي الثلاثة بشكل اتاح لكل منهم عملا متميزا، وبعد ان ساعدهم علي قدر الطاقة وبحكم دعاء الوالدين لي حتي صار عند كل منهم شقته وبيته، وطبعا حدث كل ذلك ايام ان كان حسب الله الكفراوي وزيرا للاسكان، وهذا لا يعني انني اعرفه أو اني استفدت من علاقتي به. فلم يحدث شيء من هذا، ولكني اعني بهذا الزمن صعوبة الحصول علي مسكن، ولكن يظل الامر رغم صعوبته ممكنا، وهذا قبل ان تدخل الاراضي واسعار مواد البناء في مسلسل الغلاء الرهيب الذي يجعل اجيالا بأكملها تعيش علي ارض هذا البلد وهي تملك نفسية اللاجئ، وحين تقدم لهم البنوك تلك البطاقات الائتمانية، فهم يحترفون الاستهلاك كنوع من العجز عن بناء بيت أو أسرة. أظن ان دراسة حكاية بطاقة الائتمان تلك تحتاج من البنك المركزي سيطرة قوية، حتي لا نفاجأ بأن هناك أجيالا تعيش مدينة من اجل شراء الشيكولاتة وأكلة كباب ونظارة مستوردة بالشيء الفلاني وجزمة كاوتش بخمسمائة جنيه. ارحموا البشر من رحلة الغرق في الديون التي لا داعي لها.