قضيت أكثر من 25 عاما خارج مصر، وامتدت رحلة العمل من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي المملكة المتحدة وانتهاء بمملكة البحرين. وخلال هذه الرحلة قابلت وتعاملت مع العديد من سفراء مصر في هذه الدول وغيرها. وأشهد أن في الخارجية المصرية قدرات دبلوماسية هائلة وهناك أكثر من سفير يصلح كل واحد منهم لأن يكون وزيرا مؤهلا للخارجية في أي وقت يستدعي التغيير. ولكن أسجل هنا أن نوعية الدبلوماسيين وخاصة السفراء الذين يتم ترشيحهم للعمل في أمريكا ودول أوروبا يختلفون كثيرا عن نوعية السفراء الذين يتم ارسالهم للعمل في دول الخليج وفي الدول العربية بشكل عام. ففي أمريكا وأوروبا يتم إرسال أفضل السفراء الذين يجيدون التعامل مع فكر وحضارة هذه المجتمعات والذين يندمجون معها بشكل جيد ويقيمون علاقات اجتماعية راقية مع الجاليات المصرية بهذه الدول. ويختلف الحال تماما مع اختيار السفراء الذين يتوجهون للعمل في الدول العربية حيث لا نعلم ما المعايير التي علي أساسها يتم اختيارهم، هل هي معايير الكفاءة والدراسة والتخصص في هذه المجتمعات أم هي معايير الأقدميات والترضية قبل الإحالة للتقاعد. وهناك اعتقاد بأننا لا نحتاج إلي سفراء علي أعلي مستوي في هذه الدول لأن العلاقات معها جيدة ويتم الاتصالات عبر المستويات العليا مباشرة، ولذلك فإن دور السفير يكون في معظم الأحوال موجها للعناية بأمور ومصالح الجالية المصرية في المقام الأول. وليتهم يقومون بذلك فعلا، إذ أن عددا من هؤلاء السفراء ينظر إلي قضية رعاية المصريين في الخارج علي أنها عمل من اختصاص القنصلية فقط، وأن عمله كسفير مقصور علي النواحي السياسية والعلاقات مع الدولة التي يعمل بها. ولذلك يشعر المصريون في هذه الدول بأنهم وحدهم في الميدان، وأن السفارات بعيدة عنهم ولا تقدم لهم الدعم والمساندة اللازمة. ويزيد من تعقد القضية أن بعض السفراء الذين يتوجهون إلي الخليج يعتبرون أن فترة عملهم في هذه الدول هي فترة نقاهة وراحة واستمتاع، وأنه ليس مطلوبا منهم الكثير بقدر ما المطلوب منهم ألا يخطئوا أو يتسببوا في وقوع أي مشكلة مع هذه الدول. ولم يكن غريبا إزاء ذلك أن يرفض أحد سفرائنا السابقين في الخليج تماما أن يتحدث لوسائل الإعلام موقنا أن في الصمت نجاة من كل شر، وأن يقضي أحد السفراء معظم وقته في حفلات العشاء أو في الفنادق التي تشتهر بكثرة قاعات الترفيه فيها وأن تتداول الجالية المصرية حكايته ونوادره في هذ الشأن. ولم يكن غريبا أيضا أن ينخفض حجم التبادل التجاري بين مصر والدول العربية لأن بعض السفراء لايدركون أن العلاقات التجارية أهم كثيرا الآن من العلاقات السياسية، وأن مساعدة تاجر علي تصدير بضاعته خارج مصر وغزو أسواق جديدة أهم كثيرا من الاجتماعات والمؤتمرات التي تعد بياناتها.. مسبقا..! إن اختيار سفرائنا بالخليج يجب أن يخضع لعملية تقييم مختلفة وبفكر مختلف حتي لا نفقد الخليج أيضا..! [email protected]