في الحلقات السابقة روي لنا السفير هرمان إيلتز سفير الولاياتالمتحدة في القاهرة الذي عين بعد حرب أكتوبر ما دار وراء الكواليس من مباحثات بين الولاياتالمتحدةوالقاهرة التي كانت علاقاتهما الدبلوماسية مقطوعة وألاعيب هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي الموالي لإسرائيل خلال عهدي الرئيسين نيكسون وفورد ثم انغماس الرئيس الأمريكي كارتر في مشكلة الشرق الأوسط وتطور العلاقات المصرية الأمريكية في عهده وزيارة الرئيس السادات للقدس ومباحثات كامب ديفيد التي نتج عنها الاتفاق المصري الإسرائيلي وتعنت مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل في المباحثات... إلخ. ايلتز خدم في القاهرة لسنوات عديدة خلال ثلاثة رؤساء أمريكيين هم نيكسون وفورد وكارتر وكان وثيق الصلة بالرئيس السادات ووزير خارجيته إسماعيل فهمي، أشهد أنه أبدي تفهما للمواقف المصرية بالرغم من انتقاده لبعضها ولكنه مع ذلك كان محبا لمصر. وأعتقد أنه روي بأمانة ما عاصره في القاهرة من أحداث، بالرغم من أننا قد لا نكون نتفق معه في كل رواياته. اخترت مذكرات هذا السفير بالذات لأنه عاصر فترة من أدق فترات تاريخ مصر، حيث كان في المنطقة سفيرًا لبلاده في السعودية عندما نشبت حرب 1967 واستيلاء إسرائيل علي أراضي ثلاث دول عربية إضافة إلي الأراضي الفلسطينية، ثم عاصر فترة تحول العلاقات المصرية الأمريكية والعقبات التي حاول اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة وضعها أمام نمو هذه العلاقات. وصبر أيوب الذي تميز به الرئيس الراحل أنور السادات في التعامل مع واشنطن وإسرائيل التي كانت تخشي هجمة السلام أكثر من خشيتها في رأيي من الحرب ضدها، وهو ما شهدته عندما عملت في الولاياتالمتحدة بحيث لم يستطع مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل المعروف بصلفه وتشدده وكانت كلمة لا دائما علي لسانه، أن يهرب من استحقاقات السلام. هناك من يقولون إن بيجين وافق وإن كان مضطرا للانسحاب من سيناء مقابل أن يترك له العنان في القدس وفلسطين وأنه عمل علي تحييد أكبر دولة عربية هي مصر وبدونها لن يستطيع العرب شن أي حرب علي إسرائيل. للأسف هذا القول يؤيده بعض المصريين ليس اقتناعا منهم ولكن كأسلوب لمعارضة الرئيس السادات الذي أسقط غوغائيتهم، إذ لأول مرة يستطيع حاكم مصري أن يشن حربا ناجحة ضد إسرائيل أسقطت الغرور الإسرائيلي. أعاد الرئيس السادات إلي المصريين كرامتهم في الحرب والسلم معا بعد آن كانت مصر منذ حرب 1948 تدخل حربا بعد حتي خرب اقتصادها ومكانتها الدولية وباقي دول المنطقة يتفرجون ويعايرونها بالفقر، وبالطبع لا يفعلون شيئًا. من أجل الحقيقة والإنصاف كان هناك من الدول العربية وشعوبها ممن يثقون في النهج المصري ويقدرون تضحيات الشعب المصري ليس فقط من أجل نصرة الشعب الفلسطيني ولكن من أجل تحرير بقية أنحاء العالم العربي. ولكن حتي غالبية هؤلاء لم يستطيعوا المجاهرة بذلك لأنه كانت توجد قلة ديماجوجية تدعي أنها ثورية وما يسمي بجبهة الصمود التي انكشف عجزها أمام شعوبها عن تحقيق أي شيء أو تحرير أراضيها، فكانت سياستها هي في الهجوم علي مصر والعمل علي عزلها، ولكن في النهاية استردت مصر أراضيها ومكانتها وهو الأمر الذي لايزال لا يعجب البعض من هؤلاء. في نهاية مذكرات إيلتز يقول إن القاهرة كانت بمثابة الدرة في حياته الدبلوماسية وهذا ليس بغريب فقد لمست من الكثير من الدبلوماسيين الأمريكيين وغيرهم السعي لتمثيل بلادهم في مصر. ويقول إنه أمضي ست سنوات ممتعة في مصر كانت حافلة بنشاط بالغ وغير عادي وخدم مع رؤساء أمريكيين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري وهو يعتز بمساهمته في التوصل إلي الاتفاق المصري الإسرائيلي ولكنه يلوم بلاده لأنها لم تسع بقوة بعد هذا الاتفاق إلي تحقيق سلام دائم عربي إسرائيلي وخاصة بالنسبة لفلسطين ودعا كل الإدارات الأمريكية أن تضع هذه المسألة في أعلي سلم أولوياتها. وبالطبع منذ ذلك الحين جرت أمور عديدة في الشرق الأوسط وفي العلاقات المصرية الأمريكية، ولكن في كل الأحوال من المهم لنا التعرف علي رؤية سفراء أمريكا في مصر الذين خدموا فيها وأحبوها وعاصروا كل الإنجازات والإخفاقات في نفس الوقت. اعتبرت إيلتز الذي عاصرت بعض فترات خدمته في القاهرة. نموذجا للدبلوماسي الأمريكي المحترف والأمين في نفس الوقت. وأرجو ألا أكون قد أطلت ولكن معرفة ما تم في هذه الحقبة من تاريخنا الحديث هامة لأجيالنا الحالية ولمن عاصروها في نفس الوقت.