الجماعة الإسلامية وفي مناسبة ذكري حرب العاشر من رمضان التي فيها تجلت إرادة الجيش المصري وتصميمه علي محو آثار الهزيمة واستعادة الأرض، فإن الجماعة الإسلامية أصدرت بيانا مثيرا اعترفت فيه للمرة الأولي بفضل الرئيس الراحل أنور السادات الذي قاد الحرب، وذهبت إلي أبعد مدي حين قارنت بينه وبين صلاح الدين الأيوبي الذي قاد الحرب وحقق النصر علي الصليبيين. والبيان المذهل يأتي متسقا مع التحولات التي يشهدها فكر الجماعة الإسلامية بالتخلي عن العنف، وهو العنف الذي قاد إلي اغتيال أنور السادات اثناء احتفاله مع جنوده بذكري حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان وذلك عام 1980. واذا كانت الجماعة الإسلامية قد اعترفت بقيمة ومكانة أنور السادات فإن التاريخ الحديث لم ينصف هذا الرجل حتي الآن ولم يمنحه حقه بشكل كاف. ولعل أنور السادات نفسه كان يستشعر ذلك، حيث تكون لديه نوع من الإحساس الداخلي بأن أحدا في بلاده لا يقدر ولا يشعر بأهمية ما قدمه لمصر، وكان السادات لذلك حريصا في كل خطبه علي تذكيرنا بما قدمه، فقد كان يربط ما بين السنوات والانجازات واعتبر أن كل سنة في عمره تحمل انجازا معينا، فهذا عام الانتصار، وهذا عام الحريات، وذاك عام السلام وهذا عام الانفتاح وهكذا، إلي الحد الذي دفع الناس إلي الاعتقاد بأنه يريد تحفيظنا ما قام به مادام أحدا غيره لم يقم بهذا الدور. ولكن السادات الذي لم يتم إنصافه في حياته وتعرض لمقاطعة عربية شرسة ومريرة بسبب إقدامه علي خطوة السلام مع إسرائيل التي اعتبرها العرب نوعا من الصلح المنفرد أصبح ينال حاليا نوعا آخر من التقدير والاحترام حتي بين صفوف الذين عارضوه بشدة في حياته والذين وصفوه بالخيانة. فقد أثبتت الأحداث ان السادات كانت له رؤيته العميقة وأنه كان قادرا علي قراءة أحداث المستقبل بشكل أفضل في الوقت الذي كان فيه الآخرون يقرأون التاريخ بأثر رجعي ويعيشون أوهام الماضي بجمود في الفكر وضعف في الرؤية والادراك. فالسادات كان أول من نبه وأكد علي الدور الجديد للولايات المتحدةالأمريكية وكان ذلك قبل انهيار الاتحاد السوفيتي والدولة الشيوعية، فقد قالها صريحة إن أوراق الحل بيد الولاياتالمتحدةالأمريكية فقط وأنه يجب أن نتعامل مع أمريكا كأصدقاء وليس كأعداء حتي يمكن أن تكون طرفا أقل انحياز لإسرائيل..! وذهب السادات يقود هجوما جريئا للسلام في واشنطن ويخاطب الأمريكيين بلغة غير معهودة لديهم، واستطاع بخليط مميز من الأداء والانفعالات والكلمات المدروسة أن يستقطب جانبا كبيرا من اهتمام الإعلام الأمريكي ومساندتهم له ولبلاده، وهو أمر لم يحدث من قبل علي مدي تاريخ العلاقات العربية الأمريكية حيث فشل الإعلام العربي بكل امكانياته أن يوجد قناعات متعاطفة للقضايا العربية داخل صفوف الإعلام الغربي حيث كان الخطاب الإعلامي العربي الموجه في هذه الأثناء للرأي العام الغربي عنيفا ومتعاليا وصعبا أيضا علي الفهم والاستيعاب. وهذا الأداء الفردي الرائع لأنور السادات ترجم ملامح القوة لهذا الرجل وعبر عن رؤيته وأفكاره بوضوح حيث كان يتطلع لتحقيق الرخاء لبلاده بغزو الصحراء والانطلاق نحو آفاق أوسع في تجربة جديدة للتعمير والبناء ويحلم أن يتمكن كل شاب من أن تكون له مزرعته الخاصة وبيته الصغير، وأن تكون صحراء مصر الممتدة مجالا لتحقيق هذه الأحلام. ولكن بقدر ما كانت أفكار أنور السادات كبيرة ومتخطية لحاجز الزمن بقدر ما كان التجاوب داخليا معه ضعيفا للغاية، فالعقول الروتينية الجامدة التي احتلت الكثير من مواقع المسئولية لم تستطع أن تطير معه فوق السحاب لتحقيق هذه الأحلام، وتركته يحلم وحده واكتفت بأن تبطل هذه الأحلام علي أرض الواقع بالكثير من المعوقات والعقبات التي جعلت الرخاء الموعود لا يأتي أبدا. لهذا لم يشعر الناس في الداخل كثيرا بقيمة أنور السادات وتعاملوا مع ما يقوله بنوع من التشكيك وعدم القدرة علي التصديق واعتبروا أن ما يقوله هو مجرد وعود لن يكتب لها النور فقد اعتادوا دائما علي الوعود ولاشيء أكثر من ذلك. والآن فقط. وبعد أكثر من ربع قرن علي اغتياله فإن أنور السادات يستعيد بريقه من جديد، فلم يكن الرجل حالما ولم يكن يعيش في كوكب آخر.. كان الرجل يقرأ المستقبل من كتاب مفتوح.. ولكننا لم نكن نستمع وهذه هي مشكلتنا دائما. [email protected]