سؤال: هل كان خبر إعلان مجموعة "الخرافي" الكويتية، انسحابها هي وشركائها، من مشروع إنشاء مجمع "ميدور السويس" المتكامل لتكرير البترول والبتروكيماويات بمنطقة العين السخنة بمحافظة السويس.. يستحق النشر والمتابعة. جواب: نعم.. للحيثيات التالية: أولاً حجم المشروع: فنحن لا نتحدث عن مشروع صغير أو متوسط، وجوده مثل عدمه، وبالتالي فإن استمراره أو الانسحاب منه لا يشكل فارقاً كبيراً.. بل نحن نتحدث عن مشروع تزيد الاستثمارات الخارجية التي سيجلبها لمصر علي 5 مليارات دولار، وكان سيتيح فرص عمل تصل إلي 7 آلاف فرصة عمل مباشرة و18 ألف فرصة عمل غير مباشرة أثناء تنفيذه، ثم ألف فرصة عمل مباشرة و3 آلاف فرصة غير مباشرة مستمرة علي مدي عمر المجمع. ثانياً أهمية المشروع: لا نريد أن نعيد ونزيد فيها حيث تحدثنا عنها بالتفصيل في مقال سابق يوم الاثنين الماضي، أضف إلي ذلك الاهتمام الاستثنائي الذي تبديه حكومة الدكتور أحمد نظيف لجذب الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي الآثار السلبية التي يمكن أن يتركها قرار مجموعة "الخرافي" انسحابها هي وشركائها، و"العدوي" التي يمكن أن ينقلها لمستثمرين آخرين. ثالثاً سبب الانسحاب: يعطي للخبر أهمية أكبر الحيثيات التي استند إليها، وفي مقدمتها أن الانسحاب جاء نتيجة الآثار السلبية المترتبة علي تطبيق القانون 114 لسنة 2008 والخاص بإلغاء سريان نظام المناطق الحرة بالنسبة للمشروعات كثيفة استخدام الطاقة وبالتالي تغير الأسس التي قامت عليها دراسة الجدوي الخاصة بالمشروع، وهي أمور ذكرت مجموعة "الخرافي" تفاصيلها في البيانات الصادرة عنها. وبالنظر إلي هذه العناصر الثلاثة لم يكن ممكناً تجاهل الخبر، بل إن العجيب والمثير للتساؤل هو كيف تجاهلت كثير من الصحف، وفي مقدمتها الصحف القومية خبراً بهذا الحجم وبهذه الخطورة؟! وبالطبع.. فإننا نعلم أن اقتصاد السوق يعني حرية الدخول، مثلما يعني حرية الخروج إلي ومن هذا السوق. ونعلم انه لا يجوز لأي دولة ان تتراجع عن تطبيق قوانين اصدرها برلمانها تحت ضغط مشروع أو مجموعة استثمارية، أو أن تطبق هذه القوانين بصورة انتقائية فتطبقها علي هذا وتعفي منها ذاك. ونعلم أن موازنتنا العامة تعاني من عجز مزمن، وأن تقليص هذا العجز يحتاج إلي إلغاء كثير من الاعفاءات المبالغ فيها التي توسعت الحكومة الحالية والحكومات السابقة عليها في منحها للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب بحجة تشجيع الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية. لكن ذلك كله لا يجب أن يحجب عنا رؤية الوجه الآخر للصورة. وهو أن المناخ الاستثماري الجيد هو ذلك الذي تتوفر فيه عناصر متعددة ومتكاملة، من بينها وضوح التشريعات وثباتها لفترات معقولة، وإذا لزم تغييرها أو تعديلها فإن ذلك يجب أن يتم بحساسية شديدة وبعد دراسات متعمقة ومداولات مع الأطراف المختلفة المعنية من أجل تقليص آثارها الجانبية الي أقصي حد وهذا بدوره يتطلب الشفافية وحسن التقدير. والسؤال هو: هل فعلت الحكومة شيئا من ذلك قبل إقدامها علي تطبيق القانون 114 لعام 2008 الخاص بالغاء سريان نظام المناطق الحرة بالنسبة للمشروعات كثيفة استخدام الطاقة؟ وهل قامت - مثلاً - بدراسة ايجابيات وسلبيات تغيير "قواعد اللعبة" في هذه المناطق، علي المدي القريب والمدي البعيد، خاصة بالنسبة للمستثرمين الذين بدأوا مشروعات بناء علي دراسات جدوي مستندة إلي معطيات مختلفة؟! وهل استنفدت محاولات خلق بدائل معقولة لهؤلاء المستثمرين تحقق التوازن بين الجدوي الاقتصادية لمشروعاتهم في ظل المعطيات الجديدة وبين حق الشعب المصري في الحصول علي نصيبه العادل من الأرباح الطائلة التي تدرها هذه المشروعات التي تقام علي أرضه والتي تستفيد من المقدرات المصرية الطبيعية والبشرية؟! *** هذه بعض التساؤلات التي كنا نود أن نستمع لإجابة عليها من حكومة الدكتور أحمد نظيف التي لا تكف عن المباهاة والتفاخر بأن انجازها الأكبر هو جذب الاستثمارات الأجنبية بمعدلات غير مسبوقة. لكن كل محاولاتنا للحصول علي توضيح أورد فعل من الحكومة أو من أي هيئة لها علاقة بالاستثمار العربي والأجنبي في مصر منذ اتخذت مجموعة الخرافي قرارها بالانسحاب، باءت كلها بالفشل علي مدارأكثر من أسبوع. ولم يخرج علينا مسئول واحد من أي من هذه الجهات المتعددة المعنية بالاستثمار، ليقول لنا رأيه في هذا القرار، وتقييمه له، وتأثيره علي خطط جذب الاستثمار، وما إذا كان هذا التأثير سيكون كبيرا أو صغيرا أو منعدما. إن الطريق الوحيد لطمأنة الاسواق وتحصين مناخ الاستثمار هو المكاشفة، لذلك فإني لا أفهم سبب هذا "التعالي" الذي تتمسك به الحكومة ورفضها "النزول بجلال قدرها" إلي مستوي الرد علي تساؤلات تعتبر أساسية في معظم بلاد الدنيا، ويفترض أن تقديم اجابات شافية عليها جزء ضروري من واجبات أي حكومة. فليس نهاية العالم أن تقرر مجموعة استثمارية الانسحاب من اقامة مشروع ما بمصر قيمته الاستثمارية بضعة مليارات من الدولارات والتلويح بنقله إلي هذا البلد أو ذاك. المهم حقا هو كيفية قراءة حكومتنا لهذا القرار، وتقييمها له، ورد فعلها عليه. فهل معقول ألا يصدر حتي بيان مقتضب علي لسان المتحدث الرسمي باسم الحكومة؟! أم أن مصير رئاسة نادي الزمالك أهم من أخبار الاقتصاد؟! [email protected]