هل يمكن أن ينجح تطبيق قانون المرور الجديد في تحقيق إنفراجة في الشوارع المصرية. طرحنا ذلك السؤال علي عدد من خبراء تخطيط النقل والمواصلات والاقتصاد وكانت إجابتهم محل اتفاق: ستظل أزمة المرور قائمة، وحالة الفوضي مستمرة نتيجة الأخطاء العلمية والاستراتيجية وانحرافات تطبيق قوانين البناء، كما أكدوا أن تغليظ العقوبات لن يحل المشكلة حتي لو وصلت للإعدام وقالوا مباشرة: قد يحقق القانون الجديد الانضباط ولكنه ليس الطريق الوحيد لتحقيق الانسياب المروري. ومن جانبه يوضح الدكتور حزين أحمد حزين أستاذ النقل والمواصلات بجامعة القاهرة أن أزمة المرور في مصر خطيرة ولا يمكن التعامل معها بنظرة قصيرة الأجل واصفا قانون المرور الجديد بأنه يحمل العديد من علامات الاستفهام ولا يحقق الهدف منه فالقانون سواء القديم أو الجديد ينقصه التمكين والتطبيق لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ويشير إلي أن أزمة المرور تعاني منها العواصم العربية لا سيما دول الخليج إلا أنها استطاعت بصورة أو بأخري التعامل باحترافية معها مقارنة بمصر وذلك مع اختلاف أساس المشكلة ففي الخليج لا توجد مواصلات بنفس الصورة في مصر لانتشار ثقافة الملكية الخاصة للسيارات في حين توجد في مصر المواصلات العامة وسيارات ملاكي الأمر الذي يجعل المشكلة في مصر مركبة، كما لا يوجد توزيع منتظم لإعداد المركبات في الشارع فإعداد العربات في الشارع تتجاوز 4 ملايين عربة وفي القاهرة وحدها 2 مليون سيارة. ويلفت د. حزين إلي أن توزيع الرحلات في مصر من الأساس يتم بصورة خاطئة فلا يوجد توزيع جغرافي جيد لدور السينمات ودور التسوق والبنوك والوزارات الأمر الذي يؤدي إلي وجود اختناقات مرورية هائلة تتصل ببعضها البعض محدثة هذا الخطأ المروري الفادح وهو أمر متصل بالأساس بأخطاء استراتيجية يؤدي في النهاية إلي عدم وجود تمكين للقانون مهما كانت فعالية بنوده فالأمر أشبه بوجود أحياء يشترط عدم الارتفاع بالمباني لعدد معين من الأدوار ولكن ما يحدث فجأة هو العكس فنجد في حي الهرم وعلي الرغم من خضوعه لهذه الاشتراطات إلا أن الواقع أن كثيرا من المولات التجارية تتجاوز هذه القوانين دون سبب معروف لمخالفة القانون. ويري أن جزءا من المشكلة يكمن في أن إدارة المرور مازالت تصر علي أنها الوحيدة القادرة علي وضع حل للأزمات دون اشراك الخبراء معهم وهذا هو الفارق بين مصر ودول الخليج التي استحدثت إدارات متخصصة تابعة للمرور وذلك للاستفادة من خبرة مهندسي النقل والمواصلات، كما أن الحكومة لا تضخ الاستثمارات في مجال النقل والمواصلات بصورة صحيحة ولا يتم تدبير الموارد وفقا للأولويات بدليل الأموال التي تم إنفاقها في محور صفط اللبن والمريوطية. فوضي عارمة من جانبه يقول الدكتور عبدالرحمن جاب الله أستاذ تخطيط مشروعات النقل إن استمرار الأوضاع المرورية المتدهورة يمثل ضربة قاصمة للاستثمار في الأجل الطويل خاصة مع توسع البنوك في قروض السيارات وزيادة إعداد المركبات في الشوارع دون أن تكون هناك آلية للتغلب علي ماسماه بفوضي الميكروباصات. والتي تعد من أكثر وسائل المواصلات انتشارا في مصر، ويضيف أنه لا يمكن أن نتوقع حدوث تحقق لحلم انفراجة مرورية في ظل هذه الفوضي، مشيرا إلي أن المشكلة الرئيسية هي عدم تمكين القانون وحتي لو وجد التشريع المتكامل فإن الأزمة ستبقي لأسباب كثيرة منها عدم وجود التخطيط السليم والوعي. موضحا أنه وباستمرار هذا الصداع المزمن في الشوارع لا يمكن الحديث عن حل إلا بدخول القطاع الخاص للعمل في قطاع النقل والمواصلات. ويري الدكتور أشرف العربي استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن جسامة العقوبات المالية المفروضة في قانون المرور الجديد، تشير إلي أن القصد منه هو إيجاد مورد جديد لخزانة الدولة. لأن أزمة المرور في مصر عامة لها عدة جوانب أخري بخلاف التسيب واللامبالاة وعدم احترام قواعد المرور لابد أولا من حلها وإلا فلا أمل في حل هذه الأزمة، حتي لو وصلت العقوبات إلي الإعدام، مشيرا إلي أن تغليظ العقوبة في حد ذاته، لم يكن أبدا مانعا أو مخففا من وقوع الجرائم. لأن هناك أسبابا أخري عديدة لابد من النظر في حلها مجتمعة وإلا فاننا كمن يحرث في البحر، مشيرا إلي أن مصر قد تكون الدولة الوحيدة في إفريقيا وآسيا بها هذه الفوضي في المرور. كما يلفت الدكتور محمود عبد الحي مدير معهد التخطيط القومي السابق إلي أن قانون المرور الجديد لا يهدف إلي تنظيم الشارع المروري وإنما يؤدي إلي مزيد من العراقيل أمام المواطنين باعتباره قانون جباية وليس مرور حيث يركز علي تغليظ العقوبات المادية بصورة تسهل الطريق أمام تنامي ظاهرة الإكراميات كما يتضمن العديد من البنود المثيرة للدهشة منها ضرورة وجود شنطة إسعاف في السيارات، ويصف ذلك بأنه اختراع محلي وكان الأحري علي المشرع أن يضع في أولوياته توفير مزيد من محطات الإسعاف والشرطة علي الطرقات والمجهزة باحدث الإمكانات. وفي نفس السياق يلخص الدكتور أحمد الهواري أستاذ النقل في كلية الهندسة جامعة القاهرة حل أزمة المرور في مصر، ويقول إنها لا تكمن في قانون أو غيره وإنما لا تعدو أزمة مواصلات ولاحل لكارثة الازدحام المروري المتفاقمة إلا من خلال وجود منظومة مواصلات أدمية والتخلص من المنظومة العشوائية القائمة في الوقت الحالي ويقول: من المعقول أن نجد أشباه سيارات تجوب الشوارع ليلا ونهارا في صورة أبعدت العاصمة عن منظرها الحضاري.