* خلال المائة عام الماضية انفردت جامعة القاهرة بتخريج نخبة من اساتذة الاقتصاد الذين ساهموا في اثراء ودعم خطط التنمية الاقتصادية للدولة من خلال الدراسات والابحاث التي قاموا بها. ويعد من ابرزهم الدكتور مصطفي السعيد الذي انفرد بإعداد رؤية شاملة حول تطور الاقتصاد المصري خلال المائة عام الاخيرة احتفالا بمئوية الجامعة. حيث يوضح د. مصطفي السعيد وزير الاقتصاد الاسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب حاليا ان الحديث عن تطور الاقتصاد خلال المائة عام الاخيرة يحتاج دون شك الي تجميع كل البيانات والمعلومات عن مختلف المتغيرات الاقتصادية والالمام بالسياسات التي اتبعت ووجهات النظر المختلفة التي طرحت حول تقييم وتفسير هذه السياسات. وعليه يمكن تقسيم تطور الاقتصاد المصري خلال المائة عام الاخيرة الي اربع مراحل تشمل اولا المرحلة الاولي مع بداية القرن العشرين وحتي قيام ثورة 1919 ووضع دستور 1923 وفيها تركز النشاط الاقتصادي حول الزراعة خاصة زراعة القطن، فمنذ انهيار تجربة محمد علي في منتصف القرن التاسع عشر ومحاولته اقامة نهضة صناعية تخدم طموحاته السياسية والعسكرية، لم يكن في مصر نشاط صناعي يعتد به، فالصناعات الحرفية كان قد اضعفها الاحتكار الذي فرضه عليها محمد علي كما لم تلق العناية الكافية من الجهات الحكومية. اما الصناعات الحديثة فقد تأخر ظهورها واقتصرت علي بعض الصناعات التي ترتبط بالنشاط الزراعي. وقد شهدت تلك المرحلة استمرار تطور الملكية العقارية للاراضي الزراعية في مصر من عامة الي خاصة حيث تم في عام 1891 الغاء التفرقة بين الارض الخراجية والارض العشورية بصفة نهائية وهو ما ادي بدوره الي زيادة حرص الطبقات المتميزة في المجتمع مصريين او اجانب علي زيادة ملكياتهم من الارض علي حساب النشاط الصناعي. اما فيما يتعلق بهيكل النشاط الاقتصادي اثناء هذه المرحلة فقد تأثر بعاملين اولهما خضوع مصر للاحتلال الانجليزي وهو ما اكد تبعيتها اقتصاديا لانجلترا. وثانيهما وجود جالية انجليزية قوية تتمتع بامتيازات قانونية واقتصادية مما جعلهم يحتكرون النشاط المصرفي آنذاك. اما المرحلة الثانية فتبدأ منذ قيام 1919 ووضع دستوري 1923 وحتي قيام ثورة يوليو ،1952 وتميزت هذه الفترة بوقوع احداث سياسية مهمة دولية ومحلية، ولعل اهمها وضع دستور 1923 والغاء الامتيازات الاجنبية 1937. وقد كان من الضروري ان يكون لهذه الاحداث السياسية تأثيرها علي الواقع الاقتصادي المصري. حيث زاد الوعي بضرورة اقامة الدولة الحديثة بمؤسساتها المختلفة وبعلاقاتها مع القوي الاجتماعية والسياسية والمواطنين عموما، ومن ثم نجد تطورا حقيقيا في النظام الضريبي والنظام الجمركي وحماية الملكية العقارية والنظام المالي والنقدي والنظام المصرفي وتوفير البنية الاساسية وقد صاحب هذه التطورات زيادة تدخل الدولة لتحقيق اهدافها الاقتصادية ولبناء مؤسساتها، كما تم الاخذ بمبدأ مساهمة المواطن المصري في تحقيق التقدم الاقتصادي لبلده، وتقليص نفوذ الاجانب واحتكارهم لبعض الانشطة الاقتصادية المهمة والغاء تمتعهم بامتيازات قانونية واقتصادية لا يتمتع بها المواطن المصري. اما المرحلة الثالثة لتطور الاقتصاد المصري فتبدأ مع قيام ثورة يوليو عام 1952 وحتي تولي الرئيس السادات الحكم واعلان سياسات الانفتاح الاقتصادي. ومنذ اليوم الاول لقيامها، اعلنت الثورة مبادئها الستة التي تضمنت اسس فكرها الاقتصادي والتي تمثلت في اقامة اقتصاد وطني قوي ومنع سيطرة رأس المال علي الحكم والقضاء علي الاقطاع وتحقيق العدالة الاجتماعية.. وكانت نقطة البداية الإصرار علي اصدار قانون الاصلاح الزراعي الذي وضع حدا اقصي لتملك الاراضي الزراعية في حدود مائتي فدان. كما اهتم رجال الثورة بإقامة اقتصاد وطني قوي، وهو احد الاهداف الستة، خلال الخمسينيات بالاعتماد علي القطاع الخاص ومحاولة تشجيع الاستثمار الاجنبي مع زيادة في الاستثمار الحكومي. وكانت باكورة النشاط في مجال الانتاج تأسيس شركات كبيرة مساهمة خاصة في مجال الحديد والصلب والاسمنت وطرح اسهمها للبيع للجمهور بضمان حد ادني للربح معبرة في ذلك الوقت عن حقيقة فكرها الاقتصادي وهو الفكر الرأسمالي الموجه. الا ان التطورات السياسية والتحديات الخارجية التي واجهتها الثورة ممثلة في سحب الولاياتالمتحدة لوعودها بتمويل السد العالي والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة، جعلت الدولة تتجه رويدا نحو رأسمالية الدولة.