تضاءلت آمال الفلسطينيين بالتوصل الي اتفاق سلام مع الجانب الاسرائيلي حتي نهاية هذا العام، فمنذ عودة الرئيس الفلسطيني محمود عباس - أبومازن، من زيارته الاخيرة الي واشنطن، تغيرت لغة السلطة المتفائلة واخذت تبحث خياراتها الاخري ان وجدت، وزاد من قلق السلطة احتمال سقوط ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي بسبب شبهات الفساد "الرشوة" التي يواجهها. فهذا هو حال اسرائيل كلما واجهت قيادتها السياسية ازمة تعصف بها وتهدد مستقبلها سواء كانت ازمات فساد، أو مواقف سياسية لا تتناسب والفكر الصهيوني تتجه الانظار الي عقاب الفلسطينيين، وصب جام غضب القادة العسكريين الاسرائيليين ضدهم لتحويل الأنظار عما ينتظر قيادتهم السياسية من احكام قد تهدد وجودها السياسي ككل، وهذا ما اكدته السلطة الفلسطينية حينما عبرت عن مخاوفها من تصعيد اسرائيلي في الاراضي الفلسطينية لتحويل الأنظار عن الازمة السياسية الناجمة عن الاشتباه في ضلوع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت بالفساد. وعلي الرغم من ان قضية الفساد التي تهدد مستقبل حكومة اولمرت هي قضية داخلية بحتة، إلا ان انعكاساتها الخارجية، تكون غاية في الخطورة علي الفلسطينيين سواء بتصعيد العمليات العسكرية ضدهم، أو تكثيف الاستيطان، أو اثارة الازمات الواهية علي المحاثات الجارية بوساطة مصرية للتوصل الي تهدئة. كما ان هناك احتمالا متداولا باجراء انتخابات مبكرة داخل اسرائيل يزداد يوما بعد يوم، الأمر الذي يعني تجميد المفاوضات الجارية بشأن السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ففي حال اجراء انتخابات اسرائيلية مبكرة، فإن عملية السلام برمتها ستوضع بين مزدوجين، فعلي الرغم من ان الشرطة الاسرائيلية قد تحتاج الي اشهر لاثبات الشبهات المنسوبة الي رئيس الحكومة الاسرائيلية أولمرت، فإن ثمة قناعة باتت مستقرة في الوجدان الفلسطيني والاسرائيلي علي حد سواء بأن الملف الجديد يكبل يدي اولمرت في تحقيق اي تقدم جدي في المفاوضات مع الفلسطينيين. التعليقات المثارة في الاعلام الاسرائيلي تشير بشكل واضح الي سأم الاسرائيليين من قيادة اولمرت للحكومة من اجل بقائه السياسي، ورغم ان هذه المصطلحات ترافق اولمرت منذ توليه رئاسة الحكومة في ظل الملفات الجنائية التي فتحتها الشرطة خلال العامين الماضيين ورافقه بقوة تقرير لجنة "فينوجراد"، إلا أن معركته هذه المرة تبدو الاهم والاصعب في ظل أجواء عامة بأن الاسرائيليين قد سئموا رئيس حكومتهم، والعناوين الصاخبة التي ترافقه صباح كل يوم فقد نقلت صحيفة "يديعوت احرنوت" عن اوساط ضالعة في التحقيق قولها ان الحدث يدور عن سلة مخالفات تتيح في حال تقرر تقديم لائحة اتهام اختيار المخالفة العينية الاكثر ملاءمة للأدلة، فالشبهات تتعلق بالحصول علي تبرعات غير قانونية أو بالغش وخيانة الامانة، والحصول علي رشوة وتلقي هدايا رغم ان قانون التقادم قد يسري علي المخالفات الاقل خطورة، فاللافت أن بداية القضية تعود الي تسعينيات القرن الماضي حين بدأ المليونير الامريكي اليهودي موريس "موشيه" تلانسكي بالتبرع لمشاريع كثيرة في القدس التي كان اولمرت علي رأس مجلسها البلدي، واستمر دعمه لاولمرت لسنوات طويلة حتي عام 2003 حين كان يشغل اولمرت منصب وزير التجارة والصناعة. ورغم صمت أحزاب اليمين واليسار حيال قضايا الفساد التي تواجه اولمرت، إلا ان حزب العمل لوح بأن الكرة في ملعب حزب كاديمي ليقرر أركانه اطاحة اولمرت، فبقاء اولمرت في منصبه سيحول دون تمكنه من تصريف شئون الدولة في المجالات كلها، وفي مقدمتها ملف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، اذا استقال اولمرت فإن ذلك يفتح الباب امام امكانيتين: الاولي ان يلقي رئيس الدولة شمعون بيريس مسئولية تشكيل حكومة علي عضو كنيست آخر من حزب كاديما، وفي الغالب ستكون لشيبي ليفني وزيرة الخارجية لتشكل ائتلافا جديدا، أو ان يحل الكنيست "البرلمان الاسرائيلي" نفسه ويتوجهون الي انتخابات جديدة، وهذا مستبعد من قبل الاحزاب. وفي كل الاحوال فإن فضيحة اولمرت في قضايا الفساد تلقي بظلالها القاتمة علي مسيرة السلام والمفاوضات الجارية، والتي هي معطلة اصلا بفعل اسرائيلي رغم التطمينات التي وجهها قادة اسرائيل متمثلة برئيس الدولة شمعون بيريس ورئيس الوزراء نفسه وتسيبي ليفني من خلال رسائل الي كل من السلطة الفلسطينية وسوريا تشير الي ان عملية السلام لن تتأثر بالتحقيقات التي تجريها الشرطة مع اولمرت بخصوص قضايا الرشوة، وان الاتصالات والمفاوضات ستستمر من دون اي تغيير. ان القلق الذي اعربت عنه السلطة الفلسطينية حيال التحقيق مع اولمرت بما سيؤدي ذلك الي عرقلة المفاوضات حول اتفاق مباديء للتسوية الدائمة التي كانت قد انطلقت في مؤتمر أنابوليس، يدفع الي ضرورة ان يعيد الفلسطينيون النظر فيما يدور من مفاوضات لاضاعة الوقت مع اسرائيل لا تجدي نفعا سوي اطالة الوقت والمراوغة، وان تعي القيادة السياسية الفلسطينية الي ضرورة الدفع نحو تغيير كل الاستراتيجية الفلسطينية منطلقين من انتقاد المفاوضات العبثية والمقاومة بدون برنامج وطني جامع.