جاء خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش أمام منتدي دافوس الاقتصادي في شرم الشيخ مخيبا لآمال الفلسطينيين بالتحديد خاصة بعد الخطاب الصهيوني التاريخي أمام الكنيست قبله بأيام قليلة وقول الرئيس بوش ردا علي ردود الأفعال الغاضبة "انتظروا خطابي أمام منتدي دافوس" فتوقع الكثير منه اكثر من تكرار التزام دعم حل الدولتين والدعوة الي الوقوف مع الشعب الفلسطيني الذي عاني عقودا واكتسب حق وطن خاص به ودولة بأراض متواصلة. لكن الاحباط الذي استقبل به هذا الخطاب زاد من إشاعة احتمال استقالة الرئيس محمود عباس "أبومازن" إذ نقل عنه القول بأنه سيستقيل إذا لم يتم التوصل إلي اتفاق خلال الأشهر الستة المقبلة. كما نقل عن شعور الرئيس محمود عباس بالغضب إزاء خطاب الرئيس الأمريكي في الكنيست بعد شعوره بالاحباط بعد زيارته لواشنطن مع استمرار عدم جدية المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يؤكد انه لا حل يلوح في الأفق علي الجبهة التفاوضية بين رام الله وتل أبيب ولا حتي علي الجبهة الأمنية بين غزة وإسرائيل. لقد خرج بوش في خطابيه عن كل الاعراف الدبلوماسية والأخطر انه وضع نهاية بائسة لوعوده حول الحل السياسي وآفاق الدولة الفلسطينية وكانت رسالته للكنيست والإسرائيليين دعما مطلقا وكان صهيونيا أكثر من وزراء حكومة إسرائيل. وباختصار أطلق بوش رصاصة الرحمة علي العملية السياسية من داخل الكنيست ولم يغير خطابه اللاحق في شرم الشيخ شيئا من هذه الحقيقة فكل ما قدمه لا يتعدي ديباجة عمومية وألفاظا لا تسمن ولا تغني من جوع ولا معني لها. وبهذا المعني وجه الرئيس بوش صفعة شديدة للذين راهنوا علي مبادرته في أنابوليس ووضع الشعب الفلسطيني في مأزق اضافي فقد جاء الفشل الأكبر في المفاوضات متمثلا بعدم تحقيق أي تقدم في القضايا الحياتية بعد شهور طويلة من مفاوضات متصلة تخللها مؤتمر دولي في أنابوليس نوفمبر الماضي لم توافق اسرائيل علي إزالة حاجز عسكري واحد من أكثر من 600 حاجز لتقطع أوصال الضفة الغربية وترافقت المفاوضات مع سلسلة مشاريع توسع استيطاني في مدينة القدس ومحيطها. إن أسوأ ما في الأمر الآن ان البدائل أمام اسرائيل أصبحت أفضل بالنسبة لها وأسوأ بالنسبة للفلسطينيين فهي بدل ان تكون أمام اختيار إما الدولة الواحدة أو الدولتين.. اسرائيل وفلسطين علي الأرض التاريخية بين النهر والبحر تجد نفسها الآن أمام اختيار حل الدويلتين خاصة في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي دويلة في غزة تدفع اسرائيل باستمرار لأن يكون مجالها الحيوي وربما ارتباطها ومستقبلها وعمقها الجغرافي سيناء، ودويلة "متصلة" حيث مفهوم بوش نفسه، لكنها مجموعة من كانتونات تتصل فيما بينها عبر شبكة طرق كما طرح قبل بضع سنوات لآرئيل شارون، ويبحث لاحقا مستقبلها وشكلها الخارجي حكم ذاتي أو إدارة مشتركة مع الأردن وبذلك فإن إسرائيل تدفع باتجاه استمرار الفصل القائم بين غزة والضفة لتتحول المنطقتان مع الوقت إلي كيانين ليس بالضرورة أن يجمعهما نظام سياسي واحد، وفي كل الاحوال فإن إسرائيل ليست في عجلة من أمرها للتوصل إلي حل، مادامت تملك زمام الأمور حتي الآن. لقد دأب الرئيس عباس علي إشاعة أجواء من التفاؤل بين الفلسطينيين في شأن مستقبل عملية السلام، وكثيرا ما أعرب في تصريحاته العلنية عن ثقته بالتوصل إلي اتفاق مع إسرائيل قبل نهاية العام مستندا في ذلك إلي تأكيدات الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، إلا أن التطورات اللاحقة بددت آماله بوجود مثل هذه الفرصة، وهذه الأيام يكتفي الناطقون باسم عباس بالقول أن كل "الخيارات مفتوحة" خاصة في تعليقهم علي الأنباء التي تسربت حول نية الاستقالة في حال فشل العملية السلمية، وعدم تحقيق أهدافها المعلنة قبل نهاية العام الجاري، حتي وان كانت هذه الخطوة هدفها فقط الضغط علي الرئيس الأمريكي لاتخاذ موقف متوازن، أصبح من المؤكد أنه لن يتخذه، خاصة وأن الاطراف جميعها تدرك أن عباس هو عنصر الاستقرار للسلطة، وإن غيابه سيفتح الطريق أمام موجة اضطرابات سياسية قد تؤدي إلي انهيار السلطة الفلسطينية برمتها.