دفعت الظروف السيئة التي تعانيها معظم دول العالم جورج سورس ذا ال 77 ربيعا الذي يعد من أغني أغنياء العالم الي التخلي عن قرار تقاعده الذي توصل اليه الصيف الماضي وذلك من اجل الحفاظ علي ثروته وسمعته، وبدأ سورس مرة اخري ممارسة عمله واستمر في ادارة صندوق استثماره واستطاع ان يحقق من خلاله مكاسب كبيرة في الوقت الذي خسر فيه الكثيرون. ورغم ان سورس الذي أسهمت تجارته في رسم ملامح الرأسمالية العالمية خلال فترة التسعينيات ويعد من أهم الشخصيات المثيرة للجدل بسبب نظرياته التي يتمني ان تحوز علي احترام وثقة الكثيرين بنفس قدر الاحترام الذي تلقاه أمواله أصبحت آراؤه في الفترة الحالية أكثر جدلا بسبب النظرة التشاؤمية لما سيواجهه الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة. وينشغل حاليا سورس بالترويج للكتاب الذي انتهي منه سريعا ويعتبر العاشر بالنسبة له ويحمل عنوان "الآليات الجديدة للأسواق المالية" وسيباع في الاسواق بداية الشهر القادم ويحذر فيه ان توابع الأزمات المالية قد بدأت في الظهور فهو يعتبر الأزمة المالية التي تواجهها معظم دول العالم هي الاكبر في تاريخ حياته كلها، مشيرا في مقابلة صحفية أجرتها صحيفة نيويورك تايمز معه مؤخرا في مكتبه المطل علي حديقة سنترال بارك بحي مانهاتن ان الازمة الكبري التي كانت قد ولدت وتفشت خلال ربع القرن الماضي بدأت أخيرا تدخل مرحلة الانفجار. ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يطلق فيها سورس توقعاته التشاؤمية، ففي عام 1998 نشر كتابا تنبأ فيه بحدوث انهيار في الاقتصاد العالمي وهي تنبؤات لم يحالفها الحظ حتي الآن ولكن في هذه المرة وهو يقترب من عقده الثامن يعتقد انه علي حق. فنظرية السوق التي ظل يروج لها سورس علي مدي العقدين الماضيين ويطبقها في عمله ويطلق عليها "الانعكاسية" والتي تقول ان انحيازات الاشخاص وافعالهم يمكن لها ان تؤثر علي الاتجاهات الاقتصادية للاقتصاديين وبالتالي فهي لها دور كبير في ان تمنع الاسواق من ان تصل الي مرحلة التوازن الديناميكي التي لايزال يرفضها الكثير من الاقتصاديين. ورغم اعتراض الكثيرين علي هذه النظرية فانه يدافع عنها بقوة ويؤكد ان كل الانشطة التي اقدم عليها طوال حياته سواء كانت انشطة استثمارية او حتي السياسية كان يديرها من خلالها ويقول انه لو نجح في ان يجعل المجتمع يقتنع بهذه النظرية فسيكون الامر بالنسبة له اهم انجاز يحققه. وكانت ظروف الاسواق المالية علي مدي السنوات الماضية سببا كافيا في بث القلق في نفس سورس لدرجة جعلته في الصيف الماضي ينظم غداء مع 20 شخصية مالية بارزة في منزله في ساوثمبتون بأمريكا توقع خلاله حدوث أزمة اقتصادية كبري في الولاياتالمتحدة مما جعل الحضور يشعر بحالة من السواد والاحباط عندما قال إننا علي وشك الدخول الي مرحلة من مراحل الكساد ويؤكد هذا قول بيرون فين رئيس وحدة استراتيجيات الاستثمار في صندوق استثمار بيجوت كابيتال ان سورس كان واحدا من بين شخصين تنبأ بأن الاقتصاد الامريكي يتجه نحو الكساد. ويري فين ان ما يؤكد صحة نظرية وآراء سورس هو تحقيقه مكاسب كبيرة خلال هذه الأزمات حيث استطاع تسجيل 32% عوائد من صندوق استثماراته او 4 مليارات دولار في الوقت الذي عاني فيه الكثير من المؤسسات المالية الكبري في وول ستريت خسائر تجاوزت مليارات الدولارات. وقالت نيويورك تايمز إنه كلما زاد ادراك سورس بالأزمة زادت رغبته في اعادة اذاعة نظرياته، ففي كتابه الاخير اطلق سورس انتقادات نارية لادارة بوش وسياسات المسئولين التي فتحت الباب امام اندلاع مثل هذه الازمات وكان قد تنبأ سورس منذ فترة ليست ببعيدة بحدوث انهيارات في الدولار لدرجة قد تجعله يتراجع عن مكانته كعملة عالمية وان الاشخاص سيواجهون أوقاتا عصيبة عند اقتراض الاموال. وعن خبرته في التأثير علي الاسواق تقول الصحيفة انه في عام 1992 استطاع صندوق الاستثمار التابع له، المقامرة علي الجنيه الاسترليني واستطاع ان يجبر الحكومة البريطانية لان تقلل من قيمة عملتها وبعد خمس سنوات من تلك الحادثة المشهورة ان يقوم بنفس العمل مع العملة التايلاندية وهو العمل الذي زاد من سخط الكثير من التايلانديين لدرجة جعلته يلغي احدي سفرياته لتايلاند في عام 2001 بسبب الدواعي الأمنية وخشية تعرض حياته للخطر. وعندما سئل عما اذا كان يعاني الضيق بسبب اتهامه بأنه السبب وراء الأزمات التي يسببها للاقتصاد فأجاب بقوله: نعم أعاني ضيقا شديدا ولكني احب ان أؤكد انه لا يستطيع أي مستثمر بشكل فردي ان يحرك عملة دولة ما ولكن الاسواق هي التي تستطيع ان تقوم بهذه المهمة وما حدث مع الجنيه الاسترليني كان من الممكن ان يحدث سواء كنت موجودا ام لا ولذلك لا أستطيع ان اتحمل أي مسئولية. ويسعي سورس علي حد قول مايكل كوفمان وهو كاتب ألف كتابا عنه الي ان يصبح أحد المفكرين المهمين أمثال هيجل وكينز فهو قضي سنوات عديدة قبل ان يصبح غنيا في تأليف الدراسات والخطابات للاشخاص ولكنهم جميعا تجاهلوه ولكن عندما صار غنيا ويتمتع بثروات ضخمة بدأ الناس يستمعون له كما انه بدأ في منح هبات ضخمة الي الكثير من المؤسسات الخيرية والانسانية لانه يتمني ان يكون احد اكبر المانحين لهذه المنظمات الانسانية في دول العالم فهو منح اموالا قدرت قيمتها ب 5 مليارات دولار. ويعترف سورس في النهاية بانه رغم كل الاعمال التي يقوم بها فانه يوجد الكثير من الخبراء الاقتصاديين الذين لا يعترفون بنظرياته ولا يأخذون بها لانه يعتقد انه من الصعب علي الاكاديميين ان يقبلوا بأن هناك احد مديري صناديق الاستثمار الذي لديه شييء يقوله عن الاقتصاد وهو أمر من الصعب ان يتغلب عليه.