كنا نتجنب لفظ الفقر والفقراء مع أنه موجود في كل الدنيا وحتي في أكثر الدول تقدماً هناك طبقة من الفقراء. وكان شيئا عجباً ان اعتبرنا أنه من العيب أو غير اللائق أن نذكر كلمة الفقر علي ألسنتنا وأن توضع علي الأوراق في كتاباتنا.. وكنا نميل إلي استخدام كلمات أخري مثل محدودي الدخل.. وشيء من أهم حدث مع البطالة وكنا نفضل استخدام زيادة معدلات التشغيل بدلا من استخدام تخفيض معدلات البطالة. وأيضا كنا نميل إلي استخدام لفظ تحريك الأسعار بدلا من القول بارتفاع الأسعار.. وهكذا يمكن أن نجد مجالات لمصطلحات والفاظ كثيرة كنا نحاول تجنب استخدامها مع أنها ليست مما يحذر استعماله ولكنه كان نوعا من التفكير الذي له بعض الظلال السياسية. وما نريد ان نتوقف عنده في دلالة هذا الأمر أن محاولة الاعتراف بالأمر الواقع - مع انه موجود - ومحاولة عدم الحديث عنه - مع أن الحديث مشروع بل ومطلوب - يمكن ان يكشف عن اطار من فكر الإنكار وهو نوع من الفكر لا يصلح معه إصلاح ولا يتولد به أو معه أية ثقة بين الناس والحكومة.. وأنا لا أريد أن استخدم كلمات كبيرة سئمناها من كثرة ما كررناها مثل الشفافية والمصارحة والمكاشفة فقط اقول دعونا نسمي الاشياء بأسمائها فقط لا غير ثم نبحث لكل أمر عن أسبابه وتداعياته وعلاجه. وقضية أخري أراها علي جانب كبير من الاهمية أود أن نتوقف عندها وهي اننا في أحيان كثيرة نتكلم عن موضوع واحد بعدة مفاهيم بل وبعدة لغات وكأننا نتحدث عن موضوعات مختلفة ودعنا نأخذ بعض الأمثلة علي ذلك لنأخذ مثلا قضية مثل الحد الأدني للأجور.. إن هذا المفهوم له معني محدد وهو الحد الذي يجب ألا تقل الأجور عنه في مجتمع من المجتمعات وهذا الحد كان القانون يحدده عندنا بمبلغ 35 جنيها - نعم خمسة وثلاثين جنيها - ثم اجتمع المجلس الأعلي للأجور وأوصي برفعه إلي 250 جنيها - مئتان وخمسين جنيها - وهذا المفهوم يختلف عن حد الفقر أو الحد اللازم لضروريات المعيشة أو أعلي منه أو أقل.. المفاهيم هنا مختلفة.. ويجب عدم الخلط بينها بداية.. فنحن عندما نقول إن الحد الأدني للأجور يجل ألا يقل عن 250 جنيها فهذا لا يعني بالضرورة ان من يقل أجره عن ذلك يعتبر فقيرا وأن من يزيد عليه لا يعتبر كذلك فهذا غير صحيح نحن فقط نقول إن الأجور في حدها الأدني 250 جنيها.. نعم يتمني كل منا أن يكون الحد الأدني للأجور يسمح للمواطن بحياة رغدة رغدة وليست مريحة فقط ولكن هذا أمر آخر لا علاقة له بمفهوم الحد الأدني للأجور الذي يتحدد في ضوء عوامل ومتغيرات مختلفة. وهذا يقودنا إلي موضوع الفقر ماذا نقصد به ومن هو الفقير وفقا لهذا المفهوم. الفقر أيها السادة مفهوم يعني عدم وصول دخل الفرد إلي حد يعتبر ضروريا بمقياس من المقاييس وهنا فإن هذا المفهوم لا يمكن أن يكتمل ما لم نحدد هذا المقياس.. والسؤال كيف يتحدد ووفقا لأي منهج؟ هنا أيها السادة مقاييس متعددة لهذا الأمر منها مقياس تداولته وسائل الاعلام كثيرا وهو الدولار أو الدولارين في اليوم الواحد.. أي ما بين 30 دولارا في الشهر و60 دولارا.. ومن الخطأ ان نترجم ذلك بضرب تلك القيمة في سعر الدولار مقابل الجنيه فنقول ان احد مقاييس الفقر هو 165 جنيها في الشهر وهي المعادلة لدولار في اليوم والمقياس الآخر هو 330 جنيها في الشهر المعادلة لمبلغ 2 دولار في الشهر.. علي اعتبار أن المعادل للدولار هو خمسة جنيهات ونصف.. هذا القياس خاطئ والقياس الصحيح هو الذي يتم وفقا للقوة الشرائية بمعني ان نحسب سلة من السلع يشتريها الدولار في بلد معين وثمن السلة المقابلة لها في بلد آخر. وبهذا المقياس يمكن أن يصل حد الفقر إلي حوالي من 700 - 900 جنيه شهريا في احد التقديرات ولكن هل يعني ان من وصل دخله إلي أعلي من ذلك أصبح قادرا وخرج من نطاق الفقر أي أن من دخله ألف جنيه في الشهر يمكن أن يعيش حياة مريحة؟.. أيها السادة ليست الأمور هكذا أبداً لعدة أسباب لعل من أهمها ما يلي: 1- إن هناك فارقا كبيرا بين حد الفقر وحد الكفاية الذي يغطي ضرورات الحياة والذي يمكن ان يزيد علي حد الفقر بقيمة كبيرة. فقد يكون الحد الأدني اللازم لتغطية النفقات الضرورية للحياة هو 200 جنيه في الشهر مثلا ويأتي السؤال هنا من الذي يستحق الدعم قبل غيره لكي يستطيع المعيشة في حدود الضروريات. لاشك ان من يقل دخله عن هذا يستحق ولنقل مثلا أن من يصل دخله إلي 1900 جنيها يستحق ذلك ولكن هل يعني ان الجميع علي قدم المساواة أم أن من هم عند حد الفقر هم الأولي بالرعاية.