في إعلان بالتليفزيون الهندي عن لبان معطر للفم تظهر شارة إعلانية لشركة الهند الشرقية تلك الشركة البريطانية التي سيطرت علي مقدرات الهند الاقتصادية والتجارية زهاء ال 200 سنة في العصر الاستعماري القديم ويصاحب هذه الشارة صوت يقول اشتر هذه الشركة علي أمل تحفيز الهنود لشراء الشركة البريطانية واللبان معا. وتقول مجلة "تايم" الأمريكية إن شركة الهند الشرقية لو كانت موجودة حتي الاَن لوجدت من يحاول شراءها من رجال الأعمال الهنود.. فالشركات الهندية الغنية بالسيولة تحاول عقد صفقات اكتساب في الخارج من أجل عولمة نشاطها، وقد أصبحت شركات بريطانيا السيد الاستعماري القديم هي الهدف المفضل للشركات الهندية خصوصا في العام الماضي 2007.. وفي السنوات الثلاث الأخيرة تضاعفت الاستثمارات الهندية في بريطانيا لتفوق حتي استثمارات البريطانيين في الهند.. وقد أصبح الهنود الاَن ثاني أكبر مستثمر في لندن التي تمثل وحدها 19% من الاقتصاد البريطاني ولا يفوقهم في ذلك سوي الأمريكيين الذين يحتلون المركز الأول. ويقول سوبير جوكام كبير الاقتصاديين في وكالة الملاءة الهندية كريزيل إن أحدا لم يكن يتصور منذ 20 سنة أن يحدث ما نراه الاَن خصوصا أن الهند لاتزال تعتبر نفسها دولة من دول العالم الثالث تابعة للبلدان المتقدمة مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وغيرهما.. ولكن رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون طالب خلال زيارته للهند في يناير الماضي بشراكة بين متساويين تضم الهند وبريطانيا وهو يأمل أن تصبح تجارة بلاده مع الهند أكثر حرية خصوصا أن البريطانيين يعتبرون الهند أقل تحررا في تجارتها وأسواقها من بلاد أخري مثل الصين. ولقد كانت صفقة الاكتساب الكبري الوحيدة التي عقدها البريطانيون في السوق الهندي العام الماضي هي إقدام شركة فودافون علي شراء حصة مسيطرة في شركة التليفون المحمول الهندية هوتشيسون إيسار مقابل 11 مليار دولار، أما الشركات الهندية فقد قامت بشراء مجموعة من الشركات البريطانية المنتجة لماركات عالمية مثل شركة تيتلي وشركة هوايت اند ماكاي وشركة كوروس المنتجة للصلب التي اشترتها شركة تاتا في العام الماضي مقابل 12 مليار دولار.. ومعروف أن تاتا تسعي الاَن أيضا لشراء شركتي السيارات البريطانيتين جاجوار ولاندروفر من شركة فورد الأمريكية. وفي نفس الوقت فإن كبار الأثرياء الهنود يتوافدون إلي العاصمة البريطانية لندن لشراء بيوت في أحيائها الأكثر أناقة، وتذكر وكالة العقارات سافيلز التي أقامت أول معارضها في الهند العام الماضي أن الهنود اشتروا في عام 2007 أكثر من 10% من جملة العقارات اللندنية التي بيعت في ذلك العام وأنهم دفعوا لقاء ذلك 4 مليارات جنيه استرليني أو أكثر متفوقين بذلك حتي علي الأثرياء الروس. ولابد من القول بأن جاذبية بريطانيا للهنود ليست مسألة ثأر من الماضي الاستعماري للبريطانيين، فهناك الاَن 3.1 مليون هندي علي الأقل يعيشون في بريطانيا ويلتزمون بنظامها القانوني ويتحدثون بلغتها.. كما أن بريطانيا مفتوحة أمام كل أبناء الجنسيات الأخري الذين يريدون أن يعقدوا فيها صفقات اكتساب كبيرة، ولعلنا نذكر أن بارون الصلب ذا الأصل الهندي لاكشمي ميتول قد قوبل بانتقادات كثيرة من الفرنسيين عندما حاول اكتساب شركة الصلب ارسيلور في عام ،2006 أما عندما اشتري شركة الصلب البريطانية كوروس فإن أحدا لم ينتقده من البريطانيين. ويقول اَلان روزلينج مدير شركة تاتا سونز إنه لا يوجد مكان يرحب بالهنود كمستثمرين الاَن أكثر من بريطانيا.. ولكن ما يثير الغضب هو أنه إذا كانت بريطانيا مفتوحة أمام صفقات الاكتساب الهندية فإن الهند لاتزال تتعامل بحذر مع المستثمرين البريطانيين.. ولاتزال تضع عوائق عالية أمام المستثمرين الأجانب في قطاعات أساسية مثل الخدمات المالية وتجارة التجزئة وهي قطاعات تتميز الشركات البريطانية العاملة فيها بالقوة. وقد حاول رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون أن يدفع الهند إلي مزيد من الانفتاح الاقتصادي علي بريطانيا مستخدما إغراءات سياسية من قبيل وعده بمساندة مسعي الهند للحصول علي مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، ولكن اقتراب موعد الانتخابات العامة في الهند بعد 15 شهرا من الاَن سيغل يد حكومة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في مجال الإصلاحات الاقتصادية.. ولذلك يقول جوليوس سين خبير التجارة الدولية في كلية الاقتصاد بلندن إن الإصلاح في الهند سيحدث ولكن ببطء شديد خصوصا أن الهنود تسيطر عليهم فكرة مفادها أن المستثمرين الأجانب لا همّ لهم سوي الربح.