لايجب ان يمر الحوار الذي دار بين الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية والدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات مرور الكرام. القضية التي أثارها ويثيرها الدكتور الملط كل عام عند عرض تقرير الجهاز حول الحساب الختامي لموازنة الدولة لا تكمن اهميتها في السلبيات التي يرصدها حول الاداء ولكن كما هو الواضح من اسم الجهاز فهو معني بالدرجة الاولي بالحسابات والارقام ، وعندما يقول ذلك الجهاز ان هناك تضاربا في الارقام يجب ان نتوقف حتي ننهي هذا التضارب ولاندعه حديثا "موسميا" يتوقف مع مرور اسابيع. وبعد ان هدأت الحكاية الموسمية تحاول "الاسبوعي" طرق الملف مجدداً. وتطرح علي الخبراء سؤالا محددا: لماذا التضارب .. وما الخيط الرفيع بين ذلك التضارب و"الفبركة"؟ وكان تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي القاه المستشار جودت الملط رئيس الجهاز في مجلس الشعب قد كشف عن كثير من السلبيات في اداء الحكومة للعام المنتهي 2007 وهو ما اثار ضجة كبيرة سواء بين اعضاء مجلس الشعب او بين المواطنين المصريين العاديين وكان من ابرز هذه السلبيات الزيادة الكبيرة في الدين العام الذي وصل الي 800 مليار جنيه حيث فاق بذلك الدخل العام للدولة واستمرار الفجوة بين الاستخدامات والموارد الفعلية وضعف قيمة التبادل التجاري "السلعي" لمصر مع الدول العربية واستمرار ارتفاع قيمة العجز في الميزان التجاري "السلعي" لمصر عام 2006/2007 بالمقارنة بالسنوات السابقة وفساد المحليات وكثير من السلبيات الاخري ومايهمنا في هذا الصدد ما ورد في تقرير الملط ومناقشاته حول اختلاف البيانات الاقتصادية الصادرة عن الجهات الحكومية نظرا لما يترتب عليه ذلك من آثار سلبية علي تقويم نتائج تطبيق السياسات الاقتصادية ومساهماتها في تحقيق الاهداف المخططة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية كذلك تؤثر بالسلب علي صانعي ومتخذي القرار علي المستوي الحكومي او علي المستوي الخاص وكذلك لدي المستثمر الوطني والاجنبي. وكان الملط قد ذكر في التقرير مدي الاختلاف في الاحصائيات والبيانات والمعدلات والمؤشرات والنسب في مجالات الاقتصاد والانتاج والخدمات العامة والتعداد والتنمية البشرية وذكر مثالا علي ذلك باختلاف مؤشرات ونسب معدل التضخم ومعدل البطالة ومعدل النمو الاقتصادي حيث يظهر هذا الاختلاف فيما يصدر عن وزارة الدولة للتنمية الاقتصادية ووزارة المالية والبنك المركزي المصري والجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء ومركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء وكذلك مايصدر عن باقي الوزارات والهيئات وطالب الملط في تقريره بضرورة توحيد الاسس التي تبني عليها البيانات مع تطوير قاعدة البيانات الاقتصادية المتداولة وتحديد الجهة المنوط بها اعلان تلك البيانات وتوافرها بمصداقية وشفافية. كل وزارة بطريقتها والوضع بهذا الشكل كما يفسره الدكتور حمدي عبدالعظيم الرئيس الاسبق لاكاديمية السادات للعلوم الادارية يرجع الي ان كل وزارة في الحكومة اصبحت تعمل بطريقتها نتيجة عدم وجود اتفاق حول كيفية حساب الارقام ويلفت هنا الي ان معدلات التضخم ومعدلات النمو الاقتصادي والبطالة اصبحت من اكثر المؤشرات تضاربا حيث ذكر الجهاز العام للتعبئة والاحصاء ان معدلات التضخم قد بلغت 6% بينما ذكر مركز معلومات مجلس الوزراء ان النسبة بلغت 8% ووزارة التخطيط ذكرت ان النسبة لم تتعد 7%. وفيما يتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي فقد ذكرت وزارة التنمية الاقتصادية ان هذا المعدل قد بلغ 5% وجهات اخري ذكرت ان المعدل الحقيقي للنمو الاقتصادي قد بلغ 4% بينما ذكرت جهة اخري انه 7.1% .. ويتساءل د.عبدالعظيم: من نصدق؟ ويأتي ذلك في الوقت يرصد فيه المراقبون تضارب البيانات باعتباره محوراً اساسيا: في العلاقة بين المواطن والدولة وهو تضارب قائم منذ فترة طويلة كما أن وتطور وسائل الاتصال والاعلام جعله يظهر بجلاء حتي اصبح المواطن يواجه بكم هائل من الارقام حول الاوضاع والاتجاهات وفي النهاية لايستطيع التعرف علي الارقام الحقيقية مما يوقعه في مأزق ويمكن في هذا الاطار الاشارة الي مثال صارخ لاحد هذه البيانات المتضاربة حيث صدر بيانات عن وزارة المالية والبنك المركزي حول حجم الدين العام المحلي والديون المستحقة علي الحكومة والهيئات الاقتصادية وقد بلغ الفارق بين ارقام الجهتين 138 مليار جنيه خلال الفترة من 1/7/2007 حتي نهاية 9/2007 ففي حين ذكر البنك المركزي ان اجمالي الدين العام المحلي قد بلغ 651 مليار جنيه اعلنت وزارة المالية انه قد بلغ 2.513 مليار جنيه في حين ارجع وزير الدولة للتنمية الادارية ود.احمد درويش هذا التضارب الي عدم وجود مفهوم واحد متفق عليه للبيانات والمعلومات المراد الاستعلام عنها.