يعيش الإنسان في هذا الكون محاطا بمجموعة لا تنتهي من الأسئلة التي قد يحركها بحثه عن المعرفة أو رغبته في الاستيضاح أو حبه للاستطلاع إلي غير ذلك من الأسباب ولا يمكن أن تمضي الحياة بنا دون أن نتعرض للعديد من الاسئلة والتي اقترنت عندنا بعملية التعليم في مختلف مراحله من الحضانة إلي الجامعة إلي ما بعد الجامعة... وكان البحث عن الاجابة الصحيحة يمثل التحدي الأعظم الذي نبحث عنه في مراحل التعليم المختلفة... والاجابة هنا تحمل مضمون المعرفة كما تشير لمنهج التفكير لذلك فإن حديث الفرد سواء تكلم به أو وضعه علي الأوراق يدل علي ذلك ويشير إليه ومن هنا قال الحكماء "تكلم حتي أراك". وربما يكون ذلك هو الدافع الذي أراه وراء اختيار الاعلامية لميس الحديدي لاسم برنامجها "اتكلم" فهي هنا تريد أن تري ويري الناس والمشاهدون معها الضيف.. وهناك العديد من البرامج التي تحمل مسميات مختلفة تشير إلي هذا المعني بطريق مباشر أو غير مباشر.. ما أريد أن أقوله هنا أنك تستطيع أن تري ثقافة وفكر وشخصية الفرد من خلال كلامه وحديثه... ومع انتشار الفضائيات في حياتنا وانتشار أيضا البرامج التي تستضيف السياسيين والعلماء والمفكرين ومختلف الفئات والشخصيات فقد أصبحنا عندما نشاهد هذه البرامج "نري بوضوح" كيف يكون أداء المذيع أو المحاور أو مقدم البرنامج وأيضا نستطيع أن نري فكر وأسلوب وثقافة المعد أو فريق الاعداد.. والذي يمكن أن يحيرنا حقا هو هذا التفاوت الشديد في مستويات الأداء بين الكثير من البرامج.. فبعض البرامج تري مقدميها قد تحولوا إلي القائم بكل شيء فنجده يستضيف عالما كبيرا أو متخصصا متميزا في مجال معين أو مفكرا مبدعا أو كائنا من كان ويوجه له الأسئلة ولكنه لا يترك له الفرصة لكي يجيب ويتولي هو تلك المهمة فيسأل ويجيب في نفس الوقت ويكون استضافة الطرف الآخر إما من باب الديكور أو استكمال الشكل أو حتي مجرد أن يكون هناك طرف آخر والحقيقة أن السيد أو السيدة مقدم أو مقدمة البرنامج يتولي أو تتولي كل شيء. وأصبح المشاهد الجاد أو الذي يسعي لمعرفة أصيلة في حيرة من أمره.. وهذا لا يعني أن كل البرامج وكل مقدميها علي هذا النحو ولكن الحقيقة أن هناك ما هو بالغ التميز كبرنامج وكمذيع أو مقدم.. وربما دفعتني أمور عديدة لمحاولة تتبع الأسئلة التي يطرحها أي مذيع أو مقدم برنامج علي ضيوفه ووجدت أيها السادة أنه إذا كان صحيحا ما تقول به الحكمة "تكلم حتي آراك" فإنه من الصحيح أيضا أن نقول "اسئل حتي اراك".. وأشد ما يمكن أن يؤلم المشاهد أو بعض المشاهدين تلك البرامج الخاصة بالمسابقات مقابل جوائز فيما تطرحه من أسئلة تثير الاستخفاف بل وتثير أشياء أخري يصعب وصفها بألفاظ مناسبة.. نعلم أن الهدف من مثل هذه المسابقات ليس البحث عن المعرفة أو نشر معرفة مفيدة ولكن مجرد تجميع أموال من اغراء الناس بالاتصال للحصول علي جوائز وحسنا فعلنا بالحد من تلك البرامج.. وإذا لم يكن الاعتذار مقبولا في مثل هذه البرامج.. فماذا نقول عن برامج أخري أصبحت "شهيرة" بمعيار كثافة مشاهدتها من قبل فئات متعددة تلك البرامج.. قبل فئات متعددة من الناس.. والمفترض فيها أن يكون اعداد الاسئلة وإجراء النقاش في اطارها علي المستوي الذي يليق بكل الأطراف المشاهد والضيف والموضوع. إن هناك نوعية من البرامج ونوعية من المذيعين ومقدمي البرامج لا يمكن أن تستهوي سوي أصحابها ولكن هناك نوعية أخري تجعلك في حالة من السمو الفكري والإنساني ولعل الفارق الأساسي كما أراه يكمن في كيفية صياغة الأسئلة وبالتالي أسلوب إدارة الحوار بشأنها.. وأعلم أن المعاهد والجامعات في مجال الاعلام والصحافة والتليفزيون والاذاعة تهتم بتدريس هذا الأمر ولكن الالمام بالقواعد وما يجب أن يكون شيء والقدرة علي تطبيق تلك القواعد شيء آخر ولست أريد هناك أن أشغل القاريء بنوعية الاسئلة سواء كانت أسئلة "موحية" أي توحي للضيف باجابة في اتجاه معين أو أسئلة "محايدة" أي تترك للضيف أمر الاجابة دون إيحاء معين.. أو كانت أسئلة "سطحية" تعتبر اهدارا للوقت والجهد والمال.. أو أسئلة "عميقة" تكشف عن حقائق أو مضمون يستحق المعرفة ويجلي الأمور ويزيل الالتباس.. وسواء كانت أسئلة "سريعة" تحتاج إلي اجابات محددة بنعم أو لا أو بواحد من اختيارات محددة أو أسئلة "مطولة" تحتاج إلي وقت كاف للشرح والتوضيح.. والمشكلة هنا أن تستخدم اجابات مطولة لأسئلة سريعة أو تستخدم اجابات سريعة لأسئلة مطولة فتثير البلبلة وتطمس الحقائق.. والعجيب أيها السادة أن البعض يستخدم مع الضيف ربما في نهاية البرنامج أسئلة من النوع الذي يحتاج إلي اجابة مطولة ويكون وقت البرنامج قد انتهي أو يسألة أسئلة تحتاج إلي اجابات سريعة ويترك الضيف يسترسل في الاجابة بغير داع أو مبرر. وما يستوقفني هنا أمران أساسيان في هذا الصدد.. الأمر الأول ما يعرف بالسؤال المباشر والسؤال غير المباشر وهذا نوع من الاسئلة يحتاج إلي مهارة من المعدين للبرنامج ومن مقدم البرنامج.. وهو نوع لم نعد نراه كثيرا في برامج عديدة رغم أن الموضوعات التي تطرحها تكون في حاجة إلي مثل تلك النوعية من الأسئلة ولكنها المهارة الغائبة في كثير من الأحيان. والأمر الثاني يدخل فيما يعرف بأدب الحوار والذي يتطلب من القائمين علي البرنامج أن تكون "صياغة الأسئلة" لا تخدش الحياء تحت دعوي المصارحة.. ولا تحرج الضيف تحت زعم المكاشفة.. ولا تلجأ لاستخدام مفردات في اللغة لا تتوافق ووضع الضيف الأدبي أو العلمي أو السياسي أو الوظيفي.. فلا يمكن مثلا أن نستضيف مسئولا لكي نسأله بطريقة يشعر فيها المشاهد قبل الضيف أنه ليس محل الاحترام الواجب. تلك كلها خواطر أردت أن أطرحها عليك عزيزي القاريء بعد أن تكاثرت حولنا الضوضاء ومفردات اللغة في العديد من وسائل الاعلام.. تلك المفردات التي لا تتناسب معنا ولا تليق بنا وليست أبدا نوعا من الحرية فأنت تستطيع دائما أن تقول ما تريد بأدب واحترام ولباقة ولقد سعدت بحوار أجراه الاعلامي مفيد فوزي مع وزير الداخلية حبيب العادلي حرص فيه علي صياغة الأسئلة بمهارة وأردت أن أذكر ذلك كمثال علي ما أقول به ويقول به غيري.. وانتهز هذه الفرصة لكي أقدم التهنئة لرجال الشرطة جميعا في عيدهم والذي هو عيد كل المصريين.