لاشك بأن جولة بوش للمنطقة التي استهلها بزيارة إسرائيل في 9 يناير الحالي وأعقبها بزيارة الضفة الغربية فالكويت والبحرين والامارات والسعودية ليختتمها بمصر كانت اشبه ما تكون بحملة علاقات عامة هدفت إلي دعم اسرائيل المطلق والتحريض علي المقاومة وتكريس الانقسام الفلسطيني.. زيارة لم تحقق أي جديد بالنسبة للقضية الفلسطينية فكل ما أسفرت عنه هو مزيد من الدعم لإسرائيل رغم ان جرائمها لم تتوقف حتي أثناء زيارة بوش. سلام مزعوم لقاءات بوش في المنطقة جاءت في ظل أمر واقع تفرضه إسرائيل ولا يملك أحد الفكاك منه. ويرد التساؤل: كيف يقف بوش في إسرائيل ويعلن دعمه الكامل لها بلا حدود ويبارك ممارساتها ويتحدث عن أمنها وحفظه بوصفه أمن الدولة اليهودية ثم يأتي القادة العرب ويحتفون به؟ بوش لم يعن ما ردده علي الملأ من أنه سيوقع اتفاقا شاملا حتي نهاية العام فلا شك أن هذا تصريح مخل وشاذ وإلا فما الذي منعه من بحث هذا الأمر من قبل؟ ولماذا أضاع السنوات السبع الماضية دون أن يتقدم خطوة واحدة في عملية السلام؟ زيارة تاريخية لمن؟ لقاء بوش بعباس كان روتينيا محا خلاله منظمة الأممالمتحدة مؤكدا أنها أخفقت في التوصل إلي حل وغاب عن بوش ان إدارته هي السبب في فشل المنظمة الدولية حيث اختزلت دورها في اللجنة الرباعية ثم ما لبثت بعد ذلك أن استولت علي العملية بمفردها ومن ثم كان علي الفلسطينيين القبول بالحل الأمريكي أي الحل علي الطريقة الإسرائيلية حيث يجري تهميش الواقع الفلسطيني في ظل ممارسات اسرائيل التي قضمت الأرض وكثفت الاستيطان وأسقطت حق العودة وصادرت القدس وبالتالي لم يبق علي الأرض ما يمكن أن يشكل دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة دولة تكون قادرة علي الدفاع عن نفسها ذلك أن الدولة التي يمكن أن تقام من خلال مشروع الحل الأمريكي الإسرائيلي هي كيان هزيل منزوع السلاح بلا سيادة تتعايش من خلال الدولة اليهودية وتكون بمثابة سياج لتأمين الصهاينة أما الغريب فهو أن يسارع عباس ويصف زيارة بوش بأنها تاريخية ويقر بأن الكتل الاستيطانية الكبري ستبقي تحت عهدة إسرائيل وفي حوزتها! ولعله بذلك أراد نيل الرضا الأمريكي والإسرائيلي وكان عليه أن يفكر فيما يريده الشعب الفلسطيني وليس ما تريده إسرائيل وأمريكا لكنه للأسف ضل الطريق. إعادة إحياء رسالة الضمانات لاشك أن رؤية بوش التي طرحها في جولته كبديل عن قرارات الشرعية الدولية قد منحت إسرائيل كل التعهدات لتكريس احتلالها وأعادت إحياء رسالة الضمانات التي كان بوش قد منحها لشارون في 14 ابريل سنة 2004 وبالتالي أخرجت القدس من أي تفاوض واسقطت حق العودة وأبقت علي المستوطنات وبالتالي لم تعد إسرائيل مطالبة بالانسحاب حتي حدود الرابع من يونيو 67 فرؤية بوش تطالب بتعديلات في اتفاق الهدنة لسنة 1949 تعديلات تعكس الوقائع الحادثة علي الأرض اليوم. هذا بالإضافة إلي أن يظل جدار الفصل العنصري قائما وعليه فإن رؤية بوش تجاوزت قرارات الشرعية الدولية التي يمكن ان تحمي الشعب الفلسطيني في أية تسوية مزمعة رؤية بوش لم تمنح الفلسطينيين إلا مزيدا من الخداع والأوهام. من الذي أضعف الأممالمتحدة؟ نسي بوش الذي انتقد الأممالمتحدة ودفعها بالفشل أن إدارته هي التي تسببت في ذلك عندما استخدمت المنظمة الدولية لخدمة أهدافها ونسي بوش أنه لجأ إلي المنظمة الدولية لاضفاء الشرعية علي حروبه وقتل مئات الآلاف من الأبرياء نسي أن إدارته هي التي ساعدت علي ضعف المنظمة الدولية ويكفي أن قراراتها لا تنفذ بسبب استخدام إدارته للفيتو لتعطيلها وحماية إسرائيل من أي عقوبات ويكفي أن أمريكا استخدمت الفيتو أكثر من أربعين مرة للحيلولة دون إدانة إسرائيل التي نصبتها أمريكا فوق الشرعية الدولية. صك باجتياح غزة إسرائيل هي الفائز الأكبر في هذه الجولة ويكفي أن بوش سارع بدعوة الدول العربية إلي مد يدها إلي إسرائيل مؤكدا أنها خطوة كان يجب أن تحدث منذ فترة طويلة هذا بالإضافة إلي ما قدمه من دعم كامل لها ولأمنها واعتبرها من طلاب الحرية وبارك كل خطواتها الاجرامية في قطاع غزة ومنحها صكا يخولها القيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد القطاع بهدف جز عنق حماس. وجاء هذا التفويض بعد ان بشره أولمرت بأن اسرائيل بصدد القيام بعملية عسكرية واسعة في غزة قد يقتل فيها آلاف الفلسطينيين.. سعدت إسرائيل بزيارة بوش فلقد حصدت من ورائها الكثير من المكاسب وزادت سعادتها عندما قبل دعوتها بالعودة لزيارتها في مايو القادم لمشاركتها في الاحتفال بالذكري الستين لتأسيسها! ويظل الحال علي ما هو عليه وإذا كان مؤتمر أنابوليس -27 نوفمبر 2007- لم يسفر عن أية نتائج اللهم إلا عن خطف إسرائيل لكل الثمار فإن جولة بوش في المنطقة سيكون لها نفس المردود لن يحدث تقدم بالنسبة لعملية السلام.. ستظل الفجوات قائمة.. سيظل الوضع مأساويا ومرشحا لمزيد من التوتر مع استمرار إسرائيل في سياسة الاغتيالات والتوغلات واجتياحها لغزة ومدن في الضفة ومصادرة الأراضي وممارسة الإبادة الجماعية والإغلاق وفرض الحصار الضاري وإقامة المعازل ونسف قرارات الشرعية الدولية.. الوضع متوتر ومرشح لمزيد من التوتر. الحصاد المر الجولة لم تحقق إلا المزيد من تكريس الهيمنة الأمريكية الإسرائيلة علي المنطقة ومن خلالها ضمن احتواء إيران وقدم كل التعهدات لإسرائيل أما الفلسطينيون فلم يحصدوا إلا الأوهام والخداع ولهذا يتعين علي العرب عدم الرهان علي بوش وإدارته فالرهان عليه خاسر ولا يمكن ربط مصير المنطقة برئيس ستنتهي ولايته مع نهاية العام الحالي.. ولهذا علي الأنظمة العربية أن تتبني نهج الممانعة وعدم الاذعان لاملاءاته لأنها فيما إذا أذعنت لبوش وإدارته فلم تجن شيئا وستخرج من المسرح خالية الوفاض بعد أن تكون قد خسرت كل شيء بما في ذلك شعوبها.