مع بدء عام جديد نتساءل هل نحن مقبلون علي تغييرات وتطورات في المنطقة؟ وهل ستستمر استراتيجية أمريكا التي ترتكز علي الهيمنة واستخدام القوة المفرطة؟ وماذا عن مستقبل حركات المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان؟ لا شك أن حجم المؤامرة ضد دول المنطقة والخطط التي وضعت لها والأموال التي رصدت من أجلها هي التي تفسر عمق الجرح الذي ستعاني منه هذه الدول في العام الحالي ،2008 بيد أن المشهد العام ينبئ باستمرار تراجع مكانة أمريكا في المنطقة وتزايد نفوذ حركات المقاومة المسلحة التي تتمتع بشعبية جارفة، هذا بالإضافة إلي استمرار بروز إيران كدولة منافسة قوية وما يتبع ذلك من مخاوف إزاء برنامجها النووي وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية. * قلق العرب الوضع العربي عامة سيظل مفككا وغارقا حتي الثمالة في همومه الداخلية مما سيزيد القلق بشكل يدفع دوله لأن تسعي سعيا محموما للاحتماء من مخاطر دوامة إعادة ترتيب خريطة المنطقة والتي سيتم معها تفتيت دول والاطاحة بنظم ولهذا ستسعي كل دولة إلي التقليل من حجم المخاطر التي تهدد كيانها وستحكم علي الوقع من خلال النظر إلي المدي القريب بما يعزز توجه كل دولة إلي تفعيل القطرية أكثر وأكثر فلا يهم الحديث اليوم عن الوازع الوطني القومي. * نكبة أخري ستظل أكثر البؤر احتقانا هي فلسطين ولبنان كمناطق تؤثر ومناطق يستغلها الكيان الصهيوني لترسيخ دوره وهيمنته، القضية الفلسطينية ستعاني الكثير وسط الوضع الحالي للفلسطينيين، فهم أشبه ما يكونوا في مرحلة النكبة من حيث الانقسام في قواهم السياسية وحالة الضياع السياسي الذي أملته الخيارات المتباينة للقيادات السياسية بعد الخلاف بين حماس وفتح والفصل الجغرافي بين الضفة وغزة، وبعد مراوغة إسرائيل وتنصلها من كل التفاهمات والقرارات.. وبالتالي بات الفلسطينيون في وضع لا يحسدون عليه وتاه منهم الطريق وغابت عنهم طبيعة الفترة القادمة، ولم يعودوا أو يدركوا هل ما يعيشونه مرحلة تحرر وطني أم بناء الدولة المستقلة التي لن تتحقق وفق كل المعايير. * المقاومة رقم صعب وإذا كانت المقاومة الفلسطينية ستظل رقما صعبا في معادلة الأمن القومي الإسرائيلي، لا سيما بعد أن استهدفت العمق الاستراتيجي للدولة العبرية ووصلت الصواريخ إلي المدن والمنشآت الإسرائيلية، فإن ما يزيد قلق اسرائيل هو الخطر الديموجرافي وتحسبها لأي خطر قد يأتيها من الجبهة الشمالية، حيث سوريا بالإضافة إلي رصدها لتحركات حزب الله. * لبنان واستمرار التجاذب سيظل الوضع في لبنان معقدا وسيتعذر معه الحل بعد أن اضحي في ظل الفئة القابضة أشبه ما يكون بغابة سائبة، سيستمر التجاذب والتنابذ بين الموالاة والمعارضة، وستستمر الموالاة حريصة علي الحل الوارد من الخارج، وستظل المعارضة ممثلة في حزب الله والتيار الوطني الحر وآخرين متمسكة بثوابتها، والتي تقضي بالاتفاق علي مرشح توافقي للرئاسة وعلي توليف حكومة وحدة وطنية يكون للمعارضة فيها الثلث المعطل أو الضامن، وإذا لم تحل الأزمة فإن الأمر سيتفاقم ومعه ستتواري التسويات، وقد يؤدي هذا إلي حرب أهلية ولاشك أن استمرار النظام الحالي سيجعل لبنان رهنا بتدخل القوي الخارجية في الشئون الداخلية وعليه يظل توافق الداخل مطلوبا من أجل ابعاد التدخل الخارجي. * إسرائيل وهيمنة الهاجس الأمني لا شك أن نظرية الأمن الإسرائيلي ستحتل موقع الصدارة في قائمة الأهداف الاستراتيجية لاسرائيل بعد أن باتت مسألة مصيرية، وبالتالي سيتم التركيز عليها وستتحكم في تحديد اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي بعد أن فشل العرب في اقناعها بالتخلي عن مفاهيمها الأمنية القديمة وعليه لن يستطيع العرب نزع ذريعة الأمن من قيادات إسرائيل بعد أن أصبحت هذه المفاهيم عقدة جماعية تتحكم في تحديد اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي، فرغم ما أبداه العرب من التخلي عن الخيار العسكري والتراجع عن فكرة تدمير دولة اسرائيل إلا أن الهاجس الأمني يظل مهيمنا علي سياستها في الداخل والخارج، وتظل نظرية الأمن تواكب سياستها التوسعية التي تتحرك علي أساس الردع لمنع نشوب أي حرب إلي أن تحين الفرصة التي تراها مناسبة لها لتسديد أي ضربة عسكرية سواء إذا تأكد لها أن لا نية لأمريكا للقيام بها أو لسوريا أو لحزب الله، إسرائيل ستظهر حرصا أكبر علي تبني نظرية الردع واستراتيجية الحرب الاستباقية ومفهوم الحدود الآمنة بالإضافة إلي العمق الاستراتيجي وبلورته من خلال نقل المعركة إلي أرض العدو. * تقسيم العراق العراق مهدد بالتقسيم الفعلي إلي ثلاثة كيانات كردية وشيعية وسنية تنفيذا لمشروع قرار السيناتور الديمقراطي "جوزيف بايدن" وكان قرار الكونجرس في 27 سبتمبر 2007 بتقسيم العراق قد حظي بأغلبية كبيرة زادت علي الثلثين (75 صوتا مقابل 23)، التقسيم سيظهر بوصفه مخرجا من أتون الفشل الذي وقع فيه بوش بعد اجتياحه للعراق ولا شك أن تأزم العملية السياسية سينذر بمزيد من التفكك والتقسيم والتطهير العرقي والإجلاء السكاني والإرهاب والعنف والقتل علي الهوية وانتشار الميليشيات وتفشي الفساد والرشوة. ولهذا سيكون التقسيم هو السبيل الوحيد أمام إدارة بوش للخروج من المأزق، فوفق رؤيتها سيسمح لها بالانسحاب التدريجي بالإضافة إلي أنه سيضع حدا للعنف باقامة كيانات مصغرة وعليه فإن موضوع التقسيم وارد وارد، بل لعله من أخطر المخططات التي جابهت الوضع العراقي فيما بعد الاحتلال وبذلك يكون الموضوع قد خرج من طور التنظير إلي التنفيذ ولن يكون مستغربا إذا ما جاءت إدارة أمريكية جديدة لتعتبر قرار الكونجرس ملزما لها، بيد أنه إذا حدث وقسم العراق فلن يقتصر الأمر عليه وإنما سيتعداه إلي دول المنطقة، بحيث تصبح دويلا توكانتونات. معارك قبل الرحيل والآن يثور السؤال هل سيظل بوش في المضي قدما في استراتيجيته المعلنة التي ينفذها تحت لافتة مكافحة الإرهاب؟ كل المؤشرات بالإضافة إلي صمته وسلوكياته الرعناء تنبئ بأنه سيستمر في محاولاته لإحراز أي نصر في أي معركة من المعارك التي أشعل فتيلها سواء في العراق، لبنان، فلسطين، إيران، افغانستان، السودان، بل ربما يفتح معارك أخري علي الطريق يرسي عليها عطاء إدارته قبل الرحيل.