يعتريني الغضب والاحساس بالخزي كلما لوحت الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتهديد بقطع المعونة عن مصر أو الخصم منها، حتي لو كان هذا التلويح في ظاهره الرحمة "حقوق الانسان" وفي باطنه العقاب بسبب فعل أو موقف ما لم يعجب أمريكا ولم يكن علي هواها ومع أن امتهان آدمية الانسان المصري بشتي الصور بات هو واقع الحال إلا أنني كمصرية أرفض رفضا باتا أن تتلقي مصر مثل هذا العون المذل المشروط من أي من كان ولدي أولادها القدرة علي كفاية أنفسهم والدفاع عن مصالحهم. ولعل ما يحدث الآن في الشارع وما يقدمه الفن المصري ويعبر عنه بكل جرأة في أفلام مثل "هي فوضي؟" "وحين ميسرة" أكبر دليل علي ما أقول. فالشعب المصري ومنذ أكثر من خمسين عاما ينتفض ليعبر عن آلامه وطموحه في حياة أفضل ومحاسبة المقصر والمجرم في حقه ولعل ما يحدث الآن أيضا من حراك بين العمال والفئات من اعتصامات وتظاهرات مثل علي ما أقول. لكن ماذا نفعل لكي نقنع القيادة السياسية في مصر برفض هذه المعونة المذلة المهينة، أعلم تماما ان الاستغناء عنها ليس سهلا فهي دعامة أساسية لتسليح الجيش المصري لكن يكفي ثلاثون عاما تلقينا فيها المعونة. ان تكرار تهديد الولاياتالمتحدة لنا في كل مناسبة بقطع المعونات وقد زادت المسألة عن حدها هذه المرة، فمع كل الكلام الدبلوماسي والسم في العسل وكل تلك السياسة التي يدونها الأمريكان ومع كل العبارات من قبيل أن مصر طرف استراتيجي مهم وصديق الا انهم قرروا استقطاع جزء من المعونة هذا العام والموضوع ليس في استقطاع جزء أو كل الموضوع في التهديد والوعيد والفرق في هذه المرة أن التهديد جاء مشمولا بالنفاذ فتعدي مرحلة التهديد إلي مرحلة الاستقطاع. والإجراء في حد ذاته مهين وقر ذكرنا مرارا وتكرارا من قبل اننا نستطيع الاستغناء عن المعونة واننا بالتأكيد نستطيع بسهولة تعويض هذا المبلغ التافه عن طريق السياحة وطرح أراضي الدولة للبيع أو مصانعها وهذا ما فعلته وتفعله الحكومة هو الاستغناء عما يهين كرامة ونخوة الشعب وأرجو الا أتهم بالرومانسية فالاستغناء عن الكرامة والحث علي فبدل المنح جعلت كأمة يداً سفلي. أفهم الفقر ومعاناته ولكن لا أفهم فقر الروح والنخوة وأخلاق الاستجداء والتي باتت خصلة مصرية بعد أن كنا شعب مرفوع الرأس يجوع ولا يستجدي. تمنيت فيما قبل عندما عايرنا بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي أن نرفض المعونات ومع هذا لم أجد رد فعل، وظلت الإهانة تتكرر في قضية سعد الدين ابراهيم ومرة في قضية أيمن نور وهي من أجل حقوق الانسان، وكلها في شكلها الخارجي مساندة محمودة ولكن في داخلها تدخل في الشئون الداخلية لمصر لا نسمح به مهما كان الأمر. وليعرف الكونجرس الأمريكي بل ورئيس أمريكا نفسه أن الكرامة الوطنية لدي المصريين أهم من أي عوز واحتياج، أما عن حجة أننا نحتاج المال فإن رقم المعونة هزيل جدا، وهو مع خالص شكر الشعب المصري لم يعد يمثل لنا سوي التهديد بقطع المعونة لعقاب مصر علي مواقفها سواء في سياستها الخارجية أو الداخلية وشعور المصري أنه يعاير ويذل في كل مناسبة أمر يحط في الكرامة ويضعه في مقام المتسول. وأنا كمواطنة مصرية أدعو رئيس الجمهورية أن يرسل علي وجه السرعة وزير خارجية مصر بخطاب شكر للإدارة الأمريكية يطلب وقف هذه المعونة والسبب أنهم أهانوا الشعب المصري وطعنوا كبرياءه أمام نفسه وأمام العالم، وقد يبدو هذا كلاماً رومانسياً فالعالم يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة العالم الذي اختلطت ثقافته بالدم والعنف والمادة واختفت فيه الكرامة الوطنية وباقي القيم التي تشكل في النهاية جوهر الانسان. كفانا ما وصلنا إليه فمصر لا تأكل بثدييها والشعب المصري يطالب بإيقاف مهزلة المعونة الأمريكية التي تعيرنا بها الأمم فالاستغناء عنها هو عودة للكرامة الوطنية.