لاشك أن نتائج مؤتمر "أنابوليس" الذي عقد في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي قد ولدت ميتة أو علي الأقل ولدت بعاهات متعددة ولهذا لم يكن هناك أي مبرر موضوعي لهرولة عباس نحو التفاوض مع إسرائيل خاصة بعد أن شرعت في تنفيذ مشروع استيطاني جديد في القدس فحسمت بذلك قضيتين رئيسيتين في صفقة واحدة "تهويد القدس وتوسيع الاستيطان" وهما بندان مندرجان في قضايا الوضع النهائي بل إنها بذلك ومن خلالهما تكون قد حسمت قضية ثالثة هي قضية حق العودة، فالاستيطان والتهويد يقودان حتما إلي اسقاط حق العودة. علام التفاوض؟ ولا أدري لماذا حرص عباس علي استئناف التفاوض مع إسرائيل وهو الذي بدأ في 12 ديسمبر الحالي وامتد إلي 23 ديسمبر وهكذا دواليك علام الحرص علي التفاوض وإسرائيل ماضية علي أرض الواقع في انتهاك مبادئ السلام؟ علام التفاوض أصلا وإسرائيل تمارس النقيض وتطمس خريطة الطريق التي يقال إنها التزمت بها؟ ثم علام مطالبة الفلسطينيين لرايس بضرورة الالتزام الإسرائيلي بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية وهي التي لم تحرك ساكنا إزاء قرار إسرائيل بناء 307 وحدات سكنية في جبل أبوغنيم وكل ما قالته إنها تأمل ألا يفسد مشروع الاستيطان الإسرائيلي مباحثات السلام، ومعني هذا أن رايس تتحدث عن مشروع كان ولا يزال وسيستمر وأنها لن تطالب إسرائيل بوقف أي أنشطة استيطانية. مراوغة بوش يبدو أن عباس غيب نفسه عن الأحداث عندما يربط بين زيارة بوش للمنطقة وبين جديته والتزامه بتحقيق السلام، ولا أدري كيف جاء الربط وقد رفعت أمريكا يدها عن القضية الفلسطينية طوال السنوات السبع الأخيرة؟ وكل ما فعله بوش أنه دعا سنة 2002 إلي إنشاء دولة فلسطينية يعلن عن قيامها سنة 2005.. بيد أنه ما لبث أن راوغ وأرجأ قيام الدولة إلي سنة ،2009 أي ألحق تبعة قيامها بمن سيخلفه. أمريكا والانحياز لإسرائيل كان يتعين علي عباس أن يكون قد فهم حقيقة أمريكا من أنها لن تكون راعيا محايدا ولن تكون حكما قويا وقد ظهر أداؤها فاترا منحازا لإسرائيل ولا غرابة فأمريكا لاتزال جزءا من الأجندة الإسرائيلية ومواقفها منحازة لصالح إسرائيل وتحاول اللعب في الساحة الداخلية الفلسطينية.. ورغم ذلك ينساق وراءها عباس ويحرص علي التفاوض مع إسرائيل رغم تجلياتها الاجرامية اليومية عبر الاغتيالات في غزة وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس في حين يستنكف رأب الصدع مع حماس ولا يأخذ في الاعتبار أن إبقاء الخلاف مع حماس من شأنه أنه يضعفه وبالتالي لا يمكنه التباحث مع إسرائيل من مركز قوي، هذا بالإضافة إلي أن خلافه مع حماس سيسحب منه أي سند شعبي. مشروع الاستيطان الجديد يتعين علي عباس أن يفهم أن الإبقاء علي التباحث مع إسرائيل رغم مضيها قدما في مشروع الاستيطان والبناء في هارحوما لن يكون مجديا ولن يفضي إلي شيء، وها هي إسرائيل تتذرع بأن هارحوما هي موضوع داخلي تقع في نطاق الحكم البلدي للقدس وللسيادة الإسرائيلية.. ومعني ذلك أنها تعتبر القدسالشرقية أرضا لها، أي أنها غير محتلة وهو ما يجافي القانون الدولي والقرارات الشرعية التي اعتبرت الضفة الغربيةوالقدسالشرقية أراضي محتلة وبالتالي فإن خطوة إسرائيل هذه خطوة أحادية ولا تلزم أحدا. مؤتمر مشبوه لقد برهنت الأحداث علي أن مؤتمر "أنابوليس" هذا لم يكن إلا اجتماعا هامشيا عقيما ورغم ذلك التحف العرب بالبيت الأبيض ودانوا له بالولاء والطاعة وتضافروا مع إسرائيل عندما ارتضوا حضور مؤتمر مشبوه.. حضروا في الأساس لدعم عباس رئيس السلطة الفلسطينية.. وكان هذا إيماءة لترسيخ الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وعزل حماس كلية والتعامل معها كجمل أجرب ينبغي عدم الاقتراب منه.. الذهاب إلي "أنابوليس" كان بمثابة رسالة تعني دعم العرب للحصار المفروض علي غزة والذي بات اليوم شاملا. علي العرب وقف الحصار إسرائيل الفاشية وسعت الحصار ليشمل الحريات الدينية.. وقفت حائلا دون ممارسة المعتقدات بحرية مطلقة حتي أنها منعت الحجاج من أداء فريضة الحج عن طريق إغلاق معبر رفح بأسلوب متغطرس متعجرف عممت الحصار بأسلوب غير إنساني في أسوأ مظاهر العقاب الجماعي الفاشي وحسنا فعلت مصر عندما بادرت باتخاذ قرار كسرت بواسطته القيد وتجاهلت كل أساليب الغطرسة الإسرائيلية المنافية لكل مبادئ حقوق الإنسان وقرارات الشرعية الدولية ومواثيقها فكان أن انبري أحمد أبوالغيط وزير الخارجية للدفاع عن قرار مصر بفتح معبر رفح أمام الحجاج كبادرة من أجل كسر الحصار المفروض علي غزة وهو حصار كان يتعين علي كل الدول العربية تجميع الطاقات من أجل رفعه والضغط علي أمريكا لاتمام ذلك، فلا يمكن تحت أية لافتة أو ذريعة استمراره بعد أن خلف وضعا مأساويا لمليون ونصف المليون مواطن فلسطيني. ممارسات شيطانية ولاشك أن إغلاق المعابر أدي إلي أن تتقطع السبل بمئات الطلاب والمرضي ممن عجزوا عن الالتحاق بجامعاتهم أو الخروج للعلاج انقاذا لحياتهم، ولذا يتعين علي العرب التحرك أولا وممارسة الضغط حتي يمكن دفع المجتمع الدولي لوقف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل وتبررها بذرائع واهية ترتكز علي حماية أمنها، لا يمكن للمجتمع الدولي غض الطرف عن ممارسات اسرائيل الشيطانية التي تتصاعد يوما بعد يوم. حرام أن يطلق لها الحبل علي الغارب دون أن تصد أو ترد.. إذا تحرك العرب الآن لرفع الغمة عن الفلسطينيين سيتحرك بالقطع المجتمع الدولي لوضع نهاية للمأساة.