جاء قرار وزراء الخارجية العرب المجتمعين في القاهرة في الرابع والعشرين من نوفمبر 2007 بالمشاركة في مؤتمر أنابوليس، الذي دعا إلي عقده الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، مشددًا علي أن الموقف العربي تم تحديده في إطار المرجعيات المتمثلة بقرارات الشرعية الدولية وخطة خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، ونفي الأمين العام لجامعة الدول العربية نفيا قاطعًا أن تكون مشاركة العرب فيه تطبيعا مجانيا مع إسرائيل، مؤكدا علي أن هذه المشاركة تأتي من منطلق دعم المطالب الفلسطينية، ودعم المسيرة العربية المبنية علي المبادرة العربية بكل نقاطها، وأن الجانب العربي مازال مصرًا علي مسألة وقف المستوطنات والجدار العازل، موضحًا أن المشاورات التي جرت مع الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية تسير في هذا الاتجاه. وكما كان متوقعًا، قوبل الموقف الإيجابي العربي بترحيب من قبل واشنطن حيث وصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية موافقة لجنة المتابعة العربية علي الحضور إلي أنابوليس علي أنها اشارة إلي اعتقادها بأنه سيكون اجتماعًا جادًا وموضوعيا، ومن جانبها، دعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، تسيبي ليفني، الدول العربية إلي دعم العملية السياسية الإسرائيلية - الفلسطينية التي ستبدأ في أنابوليس، موضحة أن بلادها قررت التفاوض مع عناصر فلسطينية معتدلة وبراجماتية بعدما تجمد الحوار سبعة أعوام، وتريد التأكد من إمكان جسر الهوة بين الجانبين، وفيما وصف بمحاولة لدعم رئيس السلطة الفلسطينية قبل انعقاد المؤتمر تعهدت إسرائيل بعدم بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، ووافقت علي إطلاق سراح نحو 450 معتقلا فلسطينيا من أصل 11 ألفا تعتقلهم، وبالرغم من كل ذلك كان من الواضح أن المشاكل والعقبات ظلت قائمة وإن تم الالتفاف عليها مرحليا، فقد وصف المفاوض الفلسطيني صائب عريقات القرار الإسرائيلي بوقف البناء في المستوطنات غير المرخصة بأنه هراء مشددًا علي أنه لم يذكر المستوطنات القائمة بالفعل في الضفة الغربيةالمحتلة. وعلي صعيد آخر، سادت الأوساط الفلسطينية أجواء من القلق إزاء استمرار إسرائيل في فرض حقائق جديدة علي الأرض، خاصة في مدينة القدس، رغم استمرار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية والاستعدادات التي كانت جارية لعقد مؤتمر أنابوليس، فقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت في عددها الصادر في الثاني والعشرين من نوفمبر 2007، أن بلدية القدس وضعت مخططًا جديدًا يحمل اسم مشروع مارشال بتكلفة تزيد عن 50 مليون دولار، يهدف إلي منع تقسيم المدينة وتعزيز الصلة بين طرفي العاصمة، ومن جانبهم، حذر باحثون مقدسيون شاركوا في ورشة عمل في ملتقي القدس الدولي بعنوان التهويد البشري للقدس، من خطورة مخططات التهويد التي تجري بالمدينة وتهدف إلي سلخها عن عروبتها ودفع أهلها إلي النزوح عنها ثم اسقاط جنسيتهم، في وقت تسعي فيه السلطات الإسرائيلية إلي تحقيق أكثرية يهودية في المدينة في ضوء الأهمية القصوي التي توليها للبعد الديموغرافي، حيث تقوم خطة تلك السلطات علي مفهوم الإحلال وليس التعايش. وفي تلك الأثناء أقر الكنيست الإسرائيلي في الرابع عشر من نوفمبر 2007 من حيث المبدأ تشريعا للحيلولة دون التنازل عن أي جزء من القدس في إطار أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين وقد نص مشروع القرار علي أن أي تعديل لقانون عام 1980 الذي أعلن القدس بشطريها عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل يتطلب موافقة ثمانين صوتًا بالكنيست المكون من 120 عضوًا بدلاً من 60 طبقًا للمعمول به آنذاك. وقد لاقي مشروع القرار الذي قدمه زعيم الليكود، بنيامين نتانياهو، موافقة 54 صوتًا من بينهم أعضاء بالائتلاف الحاكم الذي تزعمه آنذاك إيهود أولمرت زعيم حزب كاديما. ولم يخف تكتل الليكود حقيقة نواياه من طرح المشروع في ذلك التوقيت، حيث صرح نائب ليكودي بأن التمرير المبدئي لمشروع القانون قبل أسبوعين من مؤتمر أنابوليس يبعث برسالة مهمة وواضحة للمجتمع الدولي كله مفادها أن كل شعب إسرائيل والبرلمان يعارضان تقديم أي تنازلات بشأن القدس. علي الرغم من أن التعهد الذي قدمه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي في التفاهم المشترك الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر أنابوليس قد نص علي التزامهما بالتنفيذ الفوري لالتزاماتهما وفقا للبرنامج المتضمن في خطة خارطة الطريق، والذي حرص الطرف الفلسطيني علي تحديدها في الخطة التي أعلنتها الرباعية الدولية في 30 أبريل 2004 في محاولة لاستبعاد كل ما هو خارج عن هذا الإطار الذي وافقت عليه، وبصفة خاصة وأن القضايا الرئيسية ستكون خاضعة لمفاوضات، تحتفظ فيها إسرائيل بموقف الطرف الأقوي، وتصبح فيها الولاياتالمتحدة صاحبة الحكم علي مدي تنفيذ الاتفاقية، وهنا تجدر الاشارة إلي أنه بالرغم من التصميم الإسرائيلي علي فرض وجهة النظر القائلة باستثناء ما تعتبره النمو الطبيعي للمستوطنات من أي تنفيذ لنصوص خارطة الطريق، فإن الولاياتالمتحدة اقتصرت علي ترديد مقولة أن ذلك ليس من شأنه بناء الثقة بين الطرفين، واكتفت بطلب ايضاحات من الحليف الإسرائيلي علي الخطوات الاستيطانية التي أعقبت مباشرة انعقاد مؤتمر أنابوليس. ففي مرحلة أولي تم الإعلان عن مناقصة لبناء 317 وحدة سكنية بمستوطنة جبل أبو غنيم، حار هو ما بالعبرية، جنوبالقدسالشرقية، الأمر الذي أثار ردود فعل سلبية من جانب الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة باعتبار أن هذه الخطوة الاستيطانية قد تعرقل عملية السلام. وبعد مرور أقل من أسبوعين علي ذلك كشفت الصحف الإسرائيلية عن وجود خطة إسرائيلية لبناء حي استيطاني جديد في القدسالشرقية في منطقة عطاروت تتضمن أكثر من عشرة آلاف مسكن لليهود المتدينين، الأمر الذي كان من شأنه أن يجعل من هذا المشروع أكبر حي استيطاني بالقدسالشرقية. وعلي الرغم من إعلان وزير الإسكان بعد أيام عن التخلي عن المشروع بسبب ما أسماه الطابع الحساس لعملية السلام، فإن المشروعات الاستيطانية ظلت علي قائمة أولويات الحكومة، حيث كشفت حركة السلام الآن في النصف الثاني من ديسمبر 2007 عن قيام الحكومة بتخصيص ما يقارب 100 مليون دولار في ميزانيتها لبناء 740 مسكنًا في اثنتين من مستوطنات الضفة الغربية!