زاد "الرغي" وطفحت مجاري الثرثرة بوكسة البحث العلمي في بلادنا، تلك هي الحقيقة التي نعيش فيها جميعا دون أن نملك رؤية فعلية وواقعية يمكنها ان تشدنا من هذا المستنقع الآسن الذي احترفنا قبوله دون العمل الجاد علي تغييره ولن أنسي طوال أيام العمر كيف رصد رجل جليل حياته الي ان رحل، كي يعلمنا كيف يمكن ان نخرج من هذا المستنقع وهو الراحل الأستاذ الدكتور صالح بدير عميد الطب الأسبق. تذكرت الرجل وأنا أتابع كلاما مكتوبا موثقا ولا زيف فيه ولا ثرثرة، كلاما صادرا عن مكتبة الإسكندرية عن منح حقيقية وفعلية للبحث العلمي، والكلام يبدأ برصد لا بكاء فيه ولكنه مليء بالوخز عن حالة البحث العلمي عندنا، حيث يتخرج الدارسون ويحصلون علي درجات الماجستير والدكتوراة، ثم لا مستقبل لهم سوي العمل في الجامعات العربية، أما مراكز البحث فيمكنك ان تقول عنها ما تقوله أمي عن الطالب الخايب "إيدك منها والأرض" أي أن الميزانيات المرصودة لا تكفي شراء سندوتشات فول للعاملين بتك المراكز، أو علي الأقل لا نعرف بحثا علميا واحدا ناقش أو درس أو قدم حلولا لائقة لمشكلاتنا بداية من مشكلة المرور ومرورا بمشكلة رغيف الخبز ووصولا الي مشكلة السحابة السوداء. وإذا كانت وزارة التعليم العالي تقرر أن أي مبعوث لبلد من أجل الماجستير أو الدكتوراة يكلف البلد قرابة المليون ونصف المليون جنيه، فمن المؤكد أن المبعوث من بعد عودته يركن الي حالة الركود العامة التي تغمر كيان البحث العلمي في بر المحروسة. ومن أجل ذلك قررت مكتبة الإسكندرية أن تبني جسرا بين الباحث وبين مستقبله، بمعني ألا يتوقف الباحث عن ممارسة بحوثه العلمية لذلك تم تأسيس مركز للدراسات البحثية يتم فيها منح الباحث الراغب في مواصلة البحث العلمي مع جامعات العالم المختلفة. ولا تكتفي المكتبة بذلك بل تطمح في أن تقيم علاقات منفعة متبادلة بين الجهات العلمية في مصر وخارجها عن طريق تشجيع استخدام وتطوير الخبرات والمهارات التكميلية بين الباحث المصري والأجنبي. ومن هنا يشارك صغار الباحثين في مشاريع بحثية تعاونية عالمية، مما يضمن ظهور أجيال واعدة من العلماء يسهمون في إثراء هذا البلد الذي ينزف مخه فيتسرب العلماء في مستنقع الكسل أو ساقية العمل كمدرسين في جامعات كثيرة العدد تملأ المساحة بين المحيط الي الخليج، ولا يتقدم العلم ولا نزرع عندنا قدرة تكنولوجية تضعنا علي الطريق. ومن يتابع أسماء العلماء الذين نالوا تلك المنح يمكنه ان يري تنوع المجالات من الزراعة الي الهندسة الي الكيمياء الحيوية. كلي أمل ان نقيم حلقات نقاش نسمع فيها هؤلاء الشباب وأحلامهم وواقع ما يقدمونه من تجارب، علي الأقل كي نجعل المستقبل ليس نسيجا من دموع ولكنه طريق الي الأمل الجاد.