بعد الوقفة التي قام بها زملاؤنا الصحفيون الشبان بجريدتي "العالم اليوم" و"نهضة مصر" احتجاجاً علي رفض نقابة الصحفيين قبول عضويتهم ب "نقابتهم".. وبعد أن كتبت مراراً وتكراراً موضحاً المطالب المشروعة للزملاء المحررين الجدد.. تلقيت اتصالا تليفونيا رقيقا من الزميل والصديق الأستاذ جلال عارف نقيب الصحفيين انتهي بالاتفاق علي موعد بمقر النقابة لمحاولة إنهاء الأزمة. وبالفعل.. اجتمعنا أمس الأول.. الزميل جمال عنايت رئيس التحرير التنفيذي والمشرف علي مطبوعات "جودنيوز" وكاتب هذه السطور مع النقيب بمكتبه لمدة ساعة ونصف الساعة. وعلي مدار تسعين دقيقة دار حوار طويل حول الأزمة التي كان ولايزال تشخيص الأستاذ جلال عارف لها بأن أصلها وفصلها هو أن شركة "جودنيوز" التي تصدر عنها "عالم اليوم" و"نهضة مصر" شركة أجنبية، وأنه طالما أنها شركة أجنبية فإنه لا يحق للمحررين العاملين بالجرائد والمجلات التي تصدر عنها أن ينضموا إلي نقابة الصحفيين. ولذلك فإن الحل في رأي النقيب الأستاذ جلال عارف هو أن تقوم شركة "جودنيوز" بتوفيق أوضاعها بحيث تتحول إلي شركة مساهمة مصرية. بعدها فقط يمكن بحث مسألة عضوية المحررين العاملين بجرائدها ومجلاتها إلي النقابة. قلنا للنقيب إن شكل الملكية ليس من شأن النقابة، ولا من صلاحياتها، وإن تلكؤها أمام هذه المسألة التي ليست من شئونها، يجعلها لا تقوم بمسئوليتها الأساسية، ألا وهي رعاية المحررين الشبان المستوفيين لشروط العضوية. وإن هذا الموقف المتعنت من "جزء" من مجلس إدارة النقابة علي عكس ظاهره لا يدفع ثمنه "ملاك" "العالم اليوم" و"نهضة مصر" وإنما يدفع ثمنه المحررون العاملون بهما.. فقرار النقابة بحرمانهم من عضوية نقابتهم عقاب لهم وليس لأحد آخر. وقلنا له إن المالك إذا كان أجنبيا فعلاً فإن هذا أدعي لأن تعمل النقابة علي بسط حمايتها ورعايتها للمحررين العاملين تحت إمرة هذا "الأجنبي". وقلنا له إنه رغم ذلك كله، ورغم أن شكل الملكية ليس من شأن النقابة، فإن "جودنيوز" قد تقدمت بالفعل وقبل طلب النقابة بأوراقها للتحول إلي شركة مساهمة مصرية واننا في انتظار استكمال الإجراءات بهذا الصدد. واننا علي استعداد لكتابة خطاب موجه من الشركة إلي نقابة الصحفيين يحدد تاريخ التقدم بالأوراق لإنجاز هذه المسألة، والتعهد بالتزام الشركة بكافة القرارات الصادرة عن النقابة فيما يتعلق بحقوق الصحفيين، والتعهد بأن أي ميزة تتقرر للصحفيين سنقوم بتقديم ما هو أفضل منها للمحررين ب "العالم اليوم" و"نهضة مصر". وكل ما نطلبه مقابل ذلك أن تبدأ عملية قبول أوراق زملائنا في لجنة القيد بجداول النقابة، وبحثها حالة حالة، وعدم قبول إلا من تتوافر فيه الشروط وبما يجعل ضمير اللجنة مستريحا إلي أن من يتم قيده محرراً صحفياً حقاً تتوافر فيه كل المؤهلات والشروط. ورغم ترحيب النقيب الأستاذ جلال عارف بالجزء الأول من الحل الوسط الذي اقترحناه فإنه رفض التعهد بقبول الجزء الثاني، واكتفي بالوعد بأنه "سيبحث" الأمر. وهكذا عدنا إلي المربع رقم واحد. وأنا لا أريد أن أظلم الزميل والصديق العزيز جلال عارف أو أحمله فوق ما يطيق، وأعرف أن المسألة فيها تعقيدات أكبر ناجمة عن أن النقيب مقيد بقانون النقابة. وهذا القانون كما قلت من قبل شأنه شأن الدستور المصري الحالي، قد تمت صياغته في ظروف تغيرت تماما الآن. فهذا القانون ابن عصر تأميم الصحافة. وكان يعبر عن الواقع الصحفي القائم في ذلك الحين، والذي لم يكن فيه سوي المؤسسات الصحفية "القومية"، أي المملوكة للدولة. هذا الوضع تغير الآن بصورة جذرية، حيث أصبحت هناك إلي جانب الصحف القومية، صحافة حزبية وصحافة خاصة، وصحافة الكترونية، ومدونات، وصحافة تليفزيونية. وبالتالي أصبح الإطار السابق لعضوية النقابة أضيق كثيراً، بل كثيراً جداً، عن متطلبات الحاضر، ناهيك عن المستقبل. ولأن العمل النقابي ينحصر غالباً في الانتخابات والتربيطات الانتخابية والأعمال النقابية التقليدية وهي أعمال جيدة وتستحق الإشادة والتشجيع فإنه أغفل الاهتمام بهذه التحولات الدراماتيكية في مناخ العمل الصحفي، التي كانت تستوجب النظر في تغيير قانون النقابة منذ سنوات بحيث يكون منسجما مع التطورات الوطنية من جانب وتداعيات ثورة المعلومات العالمية من جانب آخر. وليست المسألة منحصرة في مجرد قيد أعضاء جدد بجداول النقابة، بل إن هذا القيد وفقاً للصيغة القائمة حالياً تترتب عليه مسئوليات والتزامات، أساسها مالي، سواء فيما يتعلق بالعلاج أو المعاشات، أو غير ذلك.. ويمكن تقدير التكلفة المالية للقيد للعضو الواحد بنحو ألف جنيه شهرياً. فمن الذي يتحمل هذه التكلفة وكيف يمكن توفيرها؟ هذه أسئلة مهمة ويجب دراستها دراسة متأنية والبحث عن إجابات موضوعية لها.