* وضع الرئيس محمود عباس فصائل المقاومة بأجنحتها العسكرية في موقف يدعو للعصيان والتمرد علي ما اتخذه من قرارات في المرسوم الرئاسي الذي يحظر المليشيات المسلحة والتشكيلات العسكرية وشبه العسكرية، ففي الوقت الذي طال الفلتان الأمني كل شيء، واختلط فيه الحابل بالنابل، كانت المقاومة الفلسطينية تتصدي للاحتلال وممارساته العدوانية، ويتساقط منها الشهداء واحداً تلو الآخر. غير أن الوضع المتفجر في الأراضي الفلسطينية، وانعدام الرؤية الأمنية وانهيار الأجهزة التي تتولي الأمن ساهم بشكل كبير في عودة الرئيس عباس إلي مطالبته القديمة المتجددة بعدم عسكرة الانتفاضة والتي طالما كانت محور خلاف بينه وبين الرئيس الراحل ياسر عرفات، وفي ضوء الظروف المستجدة والعزلة التي فُرضت علي قطاع غزة بعد سلسلة من الاشتباكات الدموية التي راح ضحيتها مئات من الفلسطينيين الأبرياء، حاول الرئيس الفلسطيني إنقاذ ما يمكن إنقاذه بضم جميع الميليشيات المسلحة تحت لواء السلطة والأمن الوطني، الأمر الذي وضع الرئيس والمقاومة في اختبار قاس، فلا يمكن للمقاومة إلقاء سلاحها والاحتلال لايزال جاثماً علي الأرض والمواطنين، ويمارس اعتداءاته بشكل متواصل، مما دعا قادة كتائب الأقصي في الضفة الغربية رفض الانصياع لمرسوم أبو مازن بحل ميليشياتها لأنها تناضل وتدافع عن الوطن وكرامة الشعب، فسلاح المقاومة سلاح شرعي مما فسر بأنه تحدٍ لأبو مازن والشرعية الوطنية. لا أحد يستطيع لوم المقاومة المشروعة في حقها في الدفاع عن نفسها وعن كرامة وحرية المواطن خاصة وأن إسرائيل مازالت تمارس عدوانها ضد الشعب الفلسطيني من قتل واعتقال واحتلال وفرض حظر التجول علي المدن والمخيمات في الأراضي المحتلة في رسالة من المفترض أن تذكر الجميع بأن الاحتلال هو جذر الصراع والعامل الأكبر الذي يدفع لاستمرار وتعميق حالة الفوضي والفلتان الأمني. لقد اختلط في الآونة الأخيرة سلاح المقاومة بسلاح الفلتان الأمني وفي المقابل لم تمثل ميليشيات الفصائل وخاصة التابعة لحركتي فتح وحماس صورة إيجابية في الشارع الفلسطيني، بل العكس صحيح إذ عاثت في الأرض فسادا وتخريبا وضربت مصالح الشعب الحياتية واليومية، وأفقدت المواطنين الأمن والأمان، بالإضافة إلي أن هذه الميليشيات باتت تمثل مصدر رزق للمنتسبين لها، وبات المئات والآلاف من الشباب وعائلاتهم مرتبطا بها كمصدر منتظم للراتب الشهري، وبالتالي فإن حلها يعني تهديد مصير آلاف العائلات بالمزيد من الفقر والفاقه في ضوء حصار ظالم وبطالة مرتفعة وإغلاق سوق العمل الإسرائيلي أمام اليد العاملة الفلسطينية، وعدم استعداد الدول العربية وخاصة الخليجية لفتح أسواقها أمام الشباب الفلسطيني، فضلا عن غياب الاستثمار وتدمير المصانع وتجريف المزارع وخنق مجال البناء. ربما جاء المرسوم الرئاسي متلازما مع الاعتداءات الأخيرة علي المقار الأمنية والتعدي علي صلاحيات الأجهزة الأمنية وسيطرة حماس علي غزة وانقلابها علي الشرعية، وربما تكون الساحة الفلسطينية بحاجة ماسة وفورية إلي إعادة الاعتبار للأمن واستعادة السلطة الوطنية وأجهزتها دورها ومكانتها في الشارع الفلسطيني، لكن كل ذلك لا يمكن أن يلغي أن هناك بندقية مناضلة هدفها الرئيسي المقاومة والتصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي لم تتوقف يوما عن اجتياحاتها للمدن والقري والمخيمات الفلسطينية، لذا لم يكن مستغربا ما جاء علي لسان قادة كتائب شهداء الأقصي برفض حل هذه الميليشيات التي هدفها الوحيد الدفاع عن الوطن والمواطن في مواجهة العدوان المتكرر للاحتلال الإسرائيلي وفي هذا السياق، فإنه من المستحيل تجاهل موضوع المقاومة وسلاحها علي الرغم من الادراك التام أن المقاومة استخدمت كغطاء لارتكاب شتي أنواع الجرائم، والمساهمة في تعميق حالة الفوضي والفلتان الأمني، إلا أنه من الضروري التمييز القاطع بين سلاح المقاومة الطاهر وسلاح الجريمة والفوضي. إن القفز عن سلاح المقاومة في المرسوم الرئاسي وفي خطة الحكومة اصطدم بسرعة بالعدوان العسكري الإسرائيلي الذي يطرح الحاجة الملحة إلي المقاومة وتنظيمها وربطها بمرجعية وطنية واحدة، إذ إن محاربة حالة الفوضي والفلتان الأمني بحاجة إلي سياق وبرنامج سياسي ناجح، وحتي تنجح الحكومة في فرض الأمن عليها التفكير ملياً في المصلحة العامة للوطن، لا أن تنفذ خطتها الأمنية في سياق توفير الأمن للاحتلال دون وقف عدوانه العسكري والاستيطان والجدار والحصار وتقطيع أوصال الوطن والاعتقالات، وإذا أرادت الحكومة فرض القانون والنظام العام فلابد أن يكون في سياق مقاومة مثمرة تعتمد المقاومة الشعبية أساسا والمقاطعة ومقاومة التطبيع وتعزيز مقومات الصمود والوجود الوطني والبشري الفلسطيني علي أرض فلسطين. لذا فإن المرسوم الرئاسي وضع أبو مازن في رحي التناقضات والعشوائية التي تعج بها الساحة الفلسطينية، ولابد من الحسم سريعا وبمعالجة وطنية للتمييز بين سلاح المقاومة النظيفة التي لابد أن تستمر حتي دحر الاحتلال، وبين سلاح الجريمة والفلتان والأهداف الشخصية بهدف إشاعة الفوضي والمزيد من الاحتقان!