بيزنس جديد ظهر في مصر مؤخرا وهو كافيهات الشباب والتي انتشرت بعد تراجع وجود المقهي البلدي أو الشعبي وأصبح وجوده مقصورا علي المناطق الشعبية ويرتاده الحرفيون والعواجيز خاصة أصحاب المعاشات. الكافيهات هي تعبير عن الثقافات الجديدة الوافدة ومحاكاة الغرب ونتاج عصر العولمة.. فهي تأسست من أجل الشباب وتقدم مشروبات غريبة وغربية ولا تقدم مأكولات بل تعتمد في خدماتها علي "المكان الهادي" والموسيقي والاضاءة أي "القعدات الشبابية" والشيشة هي المشروب المفضل للجنسيين. وبسبب كثرة التصاريح وصعوبة التراخيص فهناك حوالي 90% من الكافيهات تعمل بدون ترخيص وتعتمد علي الرشاوي في استمرار نشاطها كما أن اسماءها الغربية تجذب الشباب. جولة مطولة قام بها "الأسبوعي" في أحياء وشوارع العاصمة لزيارة هذه الكافيهات والتي لم يعد يخلو حي أو شارع منها.. والبداية كانت بدخولنا الي أحد الكافيهات الشهيرة الموجودة في حي الهرم والمكتظة بالشباب دخلت الكافيه والتقينا مع مديره أحمد سامي 33 سنة والذي أوضح ان بيزنس الكافيهات أصبح الأكثر رواجا والأكثر ربحا الآن وأوضح أن رحلة إقامة هذا المشروع تبدأ من استخراج التصاريح من أكثر من جهة حكومية الأمر الذي يستغرق وقتا طويلا بسبب الروتين والبيروقراطية بداية من تراخيص الصحة ومرورا بالبيئة ووصولا إلي إدارات الأحياء المختلفة. ابتزاز ورشاوي وأضاف سامي ان 90% من الكافيهات المنتشرة في مصر غير مرخصة وأغلبها غير ملتزم وان عددا محدودا من الكافيهات القائمة المرخصة ملتزم وقال ان الكافيهات غير المرخصة تقوم علي دفع الرشاوي لهذه الجهات مقابل تركها وشأنها!! وحتي الكافيهات المرخصة لابد من ان تتعرض لغارات وحملات تفتيش من هذه الجهات للحصول علي "المعلوم"!! وبسبب ذلك فإن معظم هذه الكافيهات تفضل البقاء دون ترخيص لانها في كلتا الحالتين ستتعرض للابتزاز وبالتالي فلا قيمة للتراخيص المستخرجة!! وأوضح أحمد سامي ان بيزنس هذه الكافيهات مربح جدا وعموما فان ايراد الكافيهات في المناطق الراقية يتراوح في مصر ما بين عشرة آلاف من الجنيهات في اليوم الواحد وخمسة آلاف جنيه في المناطق المتوسطة وصولا الي 1000جنيه في المناطق الشعبية وتحقق هذه الكافيهات أرباحا كبيرة. أضاف سامي انه فيما يتعلق بالعلامات التجارية المستوردة من الخارج فانها لا تمثل أهمية كبيرة في الكافيهات التي تقدم المشروبات علي نحو أكبر من المأكولات اما الكافيهات التي تعتمد علي تقديم المأكولات فقد تختار علامات تجارية كبري وهذا أيضا نادر فأكثر من 80% من الكافيهات المنتشرة في مصر والتي تستخدم اسماء غربية هي مسروقة وغير خاضعة لأسس شرعية وقانونية وإنما تدخل في باب السرقة والتعدي علي حقوق الملكية الفكرية ويتبقي نسبة بسيطة جدا تستخدم العلامات التجارية بصورة شرعية 1% من هذه الكافيهات في القاهرة والنسبة المتبقية تنتشر في المناطق السياحية في الغردقة وشرم الشيخ ودهب. التقينا في جولتنا مع محمد محيي الدين 70 سنة صاحب احد الكافيهات الشهيرة في منطقة الهرم أوضح ان جميع العاملين في الكافيهات هم من حاملي المؤهلات العليا من الشباب الذين ألقت بهم رياح البطالة للعمل في هذه الكافيهات كذلك من الموظفين الذين يعملون في النصف الثاني من اليوم في هذه الكافيهات وهم من مديري المدارس والمدرسين الذين لا يعتمدون علي الدروس الخصوصية!! بائعات الهوي أضاف أن بيزنس الكافيهات وثقافة التعامل مع الجمهور يختلف من كافيه إلي الآخر.. فهناك كافيهات تتسم بالاحترام ومازالت تسعي للحفاظ علي هويتنا وثقافتنا الشرقية من خلال تقديم مشروبات تقليدية ولكنها لا تقدم الخمور للشباب مثلما تفعل كافيهات أخري. كذلك يوجد نوع آخر من هذه الكافيهات يعتمد علي تقديم المشروبات مع وجود "بائعات الهوي" حسب قول محيي الدين واللاتي يقمن بابتزاز المراهقين فهي كافيهات جديدة ذات مفهوم جديد ولا تشبه الكافيه العادي وليس لها علاقة بالكباريهات وإنما ابتدعت لمخاطبة الشباب والمراهقين مقابل الحصول علي أموال أكثر منهم. وأكد محيي الدين ان هناك نوعا آخرمن الكافيهات يعتمد علي إقامة الحفلات الخاصة بأعياد الميلاد واحضار المطربين في يوم معين من الأسبوع لاجتذاب قدر أكبر من الشباب والمراهقين. ومن جانبه يري أحمد جمال "25 عاماً" ويعمل في أحد الكافيهات في مدينة نصر أن ثقافة دخول المقاهي والكافيهات اختلفت تماما فقد انقرضت المقاهي الشعبية "التقليدية" الآن ولم يعد لها وجود تقريبا إلا من خلال بعض المناطق الشعبية وتعد مقصدا للطبقات الفقيرة في المجتمع خاصة أصحاب المعاشات والحرفيين بعد أن كانت مكانا للمناضلين والشعراء علي مر التاريخ أما الكافيهات الجديدة فهي استنساخ "أعمي" للكافيهات الغربية في كل شيء ولم يجر لها تعديلات "شرقية" حتي تتوافق مع الهوية العربية.. فحتي المشروبات التي تقدمها هذه الكافيهات عادة ما تكون غير مفهومة التكوين ولكن يتم تناولها لمجرد التقليد الأعمي فلم تعد الكافيهات الجديدة تقدم الينسون والقرفة والحلبة ولكن تقدم مشروبات غربية غربية. وأضاف جمال أن الكافيهات الجديدة هدفها جيب الزبون من الشباب الذين يدفعون في القعدة الواحدة 50 جنيها علي الأقل وهذا استغلال للشباب. ثقافة التفاهة أما منال هاشم اخصائية اجتماعية فتري ان الكافيهات الجديدة أو كما يطلق عليها البعض "العصرية" لا يمكن أن تخرج من نطاق كونها فسادا اخلاقيا واجتماعيا ولكنه مرخص وعلي مرأي ومسمع من الجميع!! أضافت ان السؤال الذي يطرح نفسه ما حكمة هذا البيزنس الذي ينشر التفاهة والفساد لتحقيق أعلي الأرباح؟ ولماذا نختار ثقافات غربية ونجعلها تخترق أوطاننا دون ترويض لها بما يتسق مع هويتنا الدينية والثقافية؟. وطالبت منال هاشم تشديد الرقابة علي هذه الكافيهات والتي عادة ما تزرع نفسها أمام المدارس والمعاهد لتجتذب الشباب والفتيات ممن تستهويهم الثقافة الغربية فكيف يذهب أبناؤنا إلي دور التعليم والتربية ثم يقضون أوقات فراغهم في أماكن أشبه بالكباريهات وهي عادة ما تكون مجهزة لهذا الغرض وتجد الشباب والفتيات أحيانا في أوضاع غير جيدة.