بعد استراحة قصيرة علي توقيع اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس في الرياض، عادت الاشتباكات الثنائية بين القطبين المتصارعين مرة أخري تفرض وجودها علي الساحة السياسية الفلسطينية التي تعاني توترا لا ينتهي منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية العام الماضي. البعض اتهم اتفاق مكة بأنه بني علي منهج المحاصصة الثنائية بين القطبين لارساء أسس للشراكة، وبدلا من التوصل إلي برنامج موحد لمعالجة القضايا الداخلية وعلي رأسها قضية الفلتان الأمني والتدهور الذي طال كل معالم الحياة الفلسطينية جراء استفحال هذا الفلتان عاد الفلتان ليفرض نفسه من جديد وقد أكدت الأحداث المتتالية أن الاتفاق لم يضع برنامجا موجدا ومشتركا بل صاغ شكلا من أشكال التعايش بين برنامجين ومنهجين مختلفين لا يمكنهما إيجاد مقومات مناخ من الاستقرار والتركيز علي ضمان تطبيق سيادة القانون ووقف مظاهر الفوضي والفلتان ومساءلة ومحاسبة المسئولين عنها بما يضمن حماية مصالح جميع المواطنين وحقوقهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية من جهة وقادر في نفس الوقت علي مواجهة الحصار ونتائجه من جهة ثانية. في الوقت ذاته يري البعض ان اتفاق مكة ببساطة فشل في وتحقيق الهدف الذي جاء من أجله وهو فك الحصار عن السلطة والحكومة، فقد استمر الحصار مفروضا علي الحكومة وهذا ما نزع عن الاتفاق القدرة علي الاستمرار لأن الهدف الرئيسي منه لم يتحقق. وفي هذه الأجواء المشحونة عادت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين وتداعت الاتفاقات تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية وعاد الوضع الفلسطيني إلي المربع الأول وكأن شيئا لم يكن. لذا سارعت مصر لدعوة الأطراف المعنية قبل أن ينهار الوضع برمته ويفقد الأمل في تغييره ولو بشكل ضئيل فقد كانت دعوة القاهرة لعدد من القوي لم يكن باختيار ولا بتصنيف سياسي محدد لدي القاهرة بل هو نتاج توليفة جديدة أو تحالف قوي عديدة انتقدت اتفاق مكة بسبب ما سمي بالمحاصصة الثنائية لذا فتح باب الحوار في القاهرة بتوسيع المحاصصة لتصبح خماسية بدلا من ثنائية وبذلك أقفل باب الانتقاد للمحاصصة بعد أن ضمنت هذه الأطراف حصتها التي قد لا تكون سوياللجلوس والمشاركة فقط علي طاولة المحاصصة وليس الاستفادة بما يتبقي من كعكة تقاسم النفوذ والمصالح. كما أن الحديث عن ان النقاش في حوارات القاهرة سيتناول موضوع التهدئة مع إسرائيل فإن الطرفين الأساسيين المدعوين إلي الحوار فقط هما من يمكن البحث معهما في هذا الشأن لامتلاكهما القدرة والقرار وكذلك الرؤية السياسية من وراء التصعيد أو استخدام الاشتباكات المسلحة كمؤثر سياسي في المعادلة الداخلية الفلسطينية وليس كتوازن استراتيجي مع الاحتلال كما يدعي البعض. لذا يبدو أن محاولات تدارك الوضع الداخلي وتثبيت الهدنة بين فتح وحماس لا يمكن أن تحلها حوارات ثنائية أو خماسية ولا يمكن معالجتها إلا في إطار وطني عام تشارك فيه مؤسسات المجتمع المدني والأهلي والقطاع الخاص وهي مكونات أساسية رئيسية لا يمكن تجاهلها، والقفز عن وجودها ودورها هو محاولة للسيطرة أو للهيمنة بالقوة علي المجتمع واستلابه علي الأقل حق المشاركة في صنع مصيره ومستقبله، وبالتالي فإن من يريد أن يكتشف أسباب الصراع وكيف يضع حدا له يجب أن ينطلق من هذه المعادلة التي تحكم سلوك حركتي فتح وحماس فالأولي مازالت تسيطر واقعيا علي مفاتيح القوة والنفوذ في مؤسسات السلطة والمنظمة ولا تريد أن تسلم بأن نتراجع عن قيادة النضال الوطني الفلسطيني ولازالت تعتبر نفسها القوة الرئيسية والقائدة، والثانية تسعي لمد وتثبيت سيطرتها في المؤسسة البيروقراطية المدنية والعسكرية للسلطة وضمان وجودها في صنع القرار السياسي سواء في السلطة أو المنظمة. ان المخرج الحقيقي للمأزق الفلسطيني لا يمكن بتوسيع دائرة المحاصصة السياسية وجعلها خماسية أو سداسية، ولكن بالاتفاق علي البرنامج والوجهة السياسية وتحديد الآليات والوسائل للوصول لتحقيق هذه الأهداف لذا يجب أن يعمل المتحاورون علي استكشاف السبل الأنجح لتطبيق ما يتم الاتفاق عليه وان يعمدوا بجدية حقيقية إلي تغيير واصلاح رؤية كل طرف للآخر وهذه هي البداية.