رغم أن الأزمة العاتية حول بول وولفويتز الرئيس السابق للبنك الدولي قد انتهت باستقالته من منصبه الأسبوع الماضي فإن أزمة هوية البنك قد بدأت لتوها. فقد أصبحت جميع المنظمات الاقتصادية الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية مثل البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية حديثا تترنح تحت الأعباء التي تفرضها العولمة والخلافات التجارية والطموح الجامح وبزوغ قوي اقتصادية جديدة في اَسيا وأماكن أخري. وأنشأ البنك الدولي والمؤسسات الأخري لضمان سلامة الاقتصاد العالمي عام 1944 في بريتون هامبشاير في بريطانيا. وكان من المفترض أن يعيد البنك الدولي بناء أوروبا وتقليص معدلات الفقر في كل مكان بالمنح والقروض وتضمن منظمة التجارة العالمية في المقابل التدفق السهل للسلع والخدمات وهي الأمور التي تحافظ علي نمو الاقتصاد العالمي. وتبلغ القروض المقدمة من البنك الدولي للصين علي سبيل المثال 40 مليار دولار منحت لتمويل 274 مشروعا إلا أن الصين الاَن أصبحت قوة تصديرية عظمي وتقبض علي احتياطيات نقدية تصل إلي تريليون دولار، ولذلك فقد أصبحت علي درجة من الثراء التي دفعها إلي الإعلان عن تخصيص 210 مليارات دولار في صورة برامج للقروض لا يخلو بالقطع من بعض المصالح الاستراتيجية الرامية للتغلغل في القارة الأفريقية وبسط النفوذ علي مناطق الثروة، وهو شأن كل دول العالم الكبري التي تتصارع علي الأسواق. وقد دعت هذه الحقائق البعض إلي التساؤل في وجوب إقراض البنك الدولي للصين علي الإطلاق. ويدعو خبراء أمثال ايكهاردت دويتشر وهو مسئول التنمية في ألمانيا الذي يعمل كعميد لمجلس إدارة البنك إلي إعادة تقييم دور كل المؤسسات المشابهة.. إلا أن القضية الملحة هي ضرورة أن يواجه البنك والصندوق هذه التحديات، ولكن التحدي الأكبر للبنك الدولي هو استعادة مصداقيته التي ضاعت وربما مرتين.. الأولي عندما وقع رئيسه السابق في قضية تعكس مدي الفساد الذي "يعشش" في البنك.. والثانية عندما حاد عن الغرض الذي أنشيء من أجله وهو الحفاظ علي استقرار الاقتصاد العالمي ومنح القروض والمنح للدول الفقيرة للنهوض باقتصاداتها، إلا أنه تحول إلي أشبه بالبنك الاستثماري الذي يسعي لتحقيق أقصي ربح. ليس ذلك فقط بل خنق الدول بالديون لتحقيق مخططات العالم الغربي الاقتصادية والسياسية، كما وقع البنك في حرج.. ففي حين تحتفظ أمريكا بحق ترشيح رئيس للبنك تقل مساهماتها للعالم الفقير إلي ما يقرب من نصف مساهمات الدول الصناعية الكبري. والفضيحة الأخيرة للبنك زادت من حرج الرئيس الأمريكي جورج بوش فها هو وولفويتز مهندس حرب العراق يسقط ويتهاوي في حين يعيش الجيش الأمريكي في مستنقع بالعراق، وهو أمر ليس من قبيل المصادفة ورغم ذلك كله ستصر الولاياتالمتحدة علي هيمنتها في اختيار رئيس البنك في حين ستحتفظ أوروبا بحقها في اختيار رئيس صندوق النقد رغم أنها بدأت تتذمر وتطالب بتغيير السياسة التي تعطي لأمريكا الحق في اختيار رئيس البنك إلي الأبد. ويقول أستاذ في السياسة العامة بجامعة هارفارد إن وضع وولفويتز يكشف النظام العقيم الذي يدار به البنك. والأكثر إثارة هو تراجع دور البنك بدرجة كبيرة، فقد قام بإقراض 23 مليار دولار فقط العام الماضي.. وذهب في العام الماضي 14 مليار دولار من قروض البنك إلي دول أطلق عليها متوسطة الدخل مثل الصين والهند. ومن المفترض أن تسهم الفوائد المتولدة من القروض في دفع مرتبات 13 ألف موظف يعملون في البنك، كما تراجع دور البنك في إعطاء المنح للدول الأكثر فقرا في العالم وبلغت في العام الماضي 9.5 مليار دولار كما قل تأثيره في مواجهة المشكلات الدولية المزمنة مثل مكافحة الأمراض المعدية ودعم الأنشطة التعليمية. باختصار، فإن البنك الدولي يحتاج إلي معجزة لمواصلة دوره كمؤسسة دولية تعني في المقام الأول بالحفاظ علي سلامة الاقتصاد العالمي وهو دور ربما لم ينجح في القيام به علي مدار تاريخه المليء بالفضائح.