جاء قرار رودريجو راتو المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي يوم 28 يونيو الماضي بالاستقالة من منصبه في أكتوبر القادم في وقت يعيش فيه كل من صندوق النقد والبنك الدوليين أوقاتا صعبة منذ استقالة بول وولفويتز رئيس البنك الدولي في منتصف مايو الماضي بسبب فضيحة تتعلق بترقية صديقته ليخلفه في منصبه الأمريكي روبرت زوليك الذي يواجه هو الآخر ملفات عديدة تحتاج إلي حلول من أجل استعادة مصداقية البنك. وأدي هذا الاعلان إلي اثارة النقاش من جديد بين الولاياتالمتحدة وأوروبا حول توزيع المناصب القيادية بين الجانبين حيث جري العرف علي أن يتولي أمريكي رئاسة البنك الدولي وأن يتولي أوروبي منصب مدير صندوق النقد الدولي. وتتعرض المؤسستان الماليتان اللتان تمثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي أكبر المساهمين فيهما لضغوط لإعطاء صوت أكبر للدول الناشئة في إدارتهما كما تواجهان أزمة تتعلق بأن دورها التسليفي في نهاية المطاف معطل بسبب الديناميكية الاستثنائية للنمو العالمي وظهور ممولين جدد مثل الصين وبنك الجنوب في أمريكا اللاتينية وتمرد عدد من الدول علي المؤسستين العالميتين. ورأت منظمات دولية غير حكومية أن مغادرة راتو رئاسة صندوق النقد الدولي بعد أسابيع من رحيل بول وولفويتز عن رئاسة البنك الدولي تظهر أزمة عميقة تمر بها المؤسسات الدولية. واعتبر دامين مييه رئيس لجنة "الغاء ديون العالم الثالث" أن الاعلان المفاجئ عن استقالة راتو يظهر الضبابية التي تشهدها المؤسسات الدولية ويدشن مرحلة جديدة من الغموض في حين اعتبر سيبستيان فورمي من منظمة "اوكسفام" الخيرية البريطانية أن صندوق النقد وجد نفسه في أسوأ وضع خلال ولاية راتو رغم بدء تنفيذ اصلاحات لكن هذه الأخيرة تستدعي الكثير من الوقت. وتأتي استقالة الاسباني رودريجو راتو في منتصف واحدة من أكبر عمليات اعادة الهيكلة للمؤسسة المالية الدولية التي تأسست قبل 62 عاما وهي العملية التي دشنها راتو شخصيا في سبتمبر 2005 وسط ضغط من قوي اقتصادية صاعدة تسعي لدور أكبر في إدارة الصندوق. وفتح راتو بعض ملفات الاصلاح في صندوق النقد الدولي وخاصة ملف تمثيل عمالقة التنمية مثل الصين والهند وكان يعتزم اعادة التوازن إلي حصص التصويت لبعض الاقتصادات الصاعدة الرئيسية بمايعكس مكانتها المتنامية في اقتصاد العالمي وذلك علي مرحلتين تقضي الأولي بتصحيح آني للحالات الأكثر وضوحا ثم اصلاح أوسع للدول التي تري أنها غير ممثلة بشكل كاف. وقد تبني صندوق النقد الدولي بالفعل برنامجا علي سنتين لإجراء هذا التصحيح الذي يشمل برنامجا لإعادة تحديد الحصص للمستقبل من أجل تحديد وزن كل دولة داخل المؤسسة طبقا لأهميتها الفعلية في الاقتصاد العالمي. ويستهدف هذا الاصلاح الهيكلي توفير دور أكبر للدول النامية في صندوق النقد حيث يريد راتو تقديم صيغة محددة لتوزيع الحصص في الاجتماع القادم للصندوق في الخريف وهو الاجتماع الأخير الذي يشارك فيه كمدير تنفيذي للصندوق. وتشير مصادر في الصندوق إلي أن أصوات عدد من الدول في المجلس التنفيذي الذي يضم 24 عضوا لا تتفق مع التطورات الجديدة في الوضع الاقتصادي العالمي فعلي سبيل المثال فإن أصوات السعودية أعلي من أصوات الصين وأصوات بلجيكا أعلي من أصوات البرازيل، وأصوات فنزويلا أعلي من أصوات كوريا الجنوبية ومن أصوات المكسيك. وللسعودية، في الوقت الحالي 70 ألف صوت مقابل 370 ألف صوت للولايات المتحدة و130 ألف صوت لليابان و100 ألف صوت لبريطانيا و60 ألف صوت للصين وهناك كتلة فيها ثلاث عشرة دولة عربية تتمتع بجملة 70 ألف صوت وتصوت ككتلة. ويعتمد صوت كل مدير تنفيذي علي معادلة وضعت في الاعتبار احتياطي كل دولة من العملات الأجنبية وجملة دخلها القومي ودورها في الاقتصاد العالمي. وكانت استراليا واليابان وكندا وفرنسا وجنوب افريقيا والبرازيل ودول أخري قد اشتركت في كتابة اقتراحات تغيير عدد الأصوات بينما أعلن راتو في سبتمبر 2006 أن مجلس إدارة الصندوق اقترح زيادة حصص الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا في التصويت داخل المؤسسة واعترف بأن زيادة حصص البلدان الأربعة لن تصحح سوي ثلث حالات التمثيل الضعيف الكثيرة مشيرا إلي دول أخري كثيرة ممثلة بشكل غير كاف في الصندوق.