حين نتأمل خريطة أعماق البشر في عالمنا المعاصر سنجد درجة من العنف غير مسبوقة، فالعنف الذي يموت به الطفل العراقي حين يلهو بموته جندي أمريكي لا يقل في بشاعته عن رصاص المقاتل من حماس أو فتح وهو يوجه الرصاصة إلي أخيه، واصطياد السيارات بواسطة طائرات الأباتشي الاسرائيلية يفتت اجسام الشباب الفلسطيني، والكلام عن التهدئة، ورفع الحصار ومساعدة الفقراء علي وجود طبق من الطعام، كل ذلك لا يهدئ من سماكة مشاعر وبلادة احساس القتلة، مهما كانت العقيدة التي ينتمون إليها. مازلت اذكر ماقاله الراحل حافظ الاسد لكروستفور وزير خارجية كلينتون، قال له "ان الولاياتالمتحدة لم تجرب بعد الاستشهاديين، فالانتصار علي التكنولوجيا سيأتي عن طريق هؤلاء، واعترف اني لم اصدق تلك العبارة عندما سمعتها من كروستوفر وهو يشكو من صبر حافظ الاسد الذي كان يحتفظ بضيوفه جالسين لمدة تزيد علي الساعتين دون أن يجرؤ واحد منهم علي أن يعلن عن رغبته في الذهاب إلي دورة المياه خصوصا ان كان في عمر كروستوفر الذي كان يعلن عن رغبته في الذهاب إلي دورة المياه خصوصا ان كان في عمر كروستوفر الذي كان يعاني من متاعب في البروستاتا!!. ولم يكن هناك من يصدق أن العراق علي سبيل المثال سيمتلئ بالانتحاريين ولم يكن احد يصدق ان الانتحاري سيظهر في فلسطين. ولم يكن هناك من يستطيع رؤية اقبال شاب أو فتاة علي رؤية الموت خير له من الحياة!! ولكن العنف ساد وانتشر من بعد أن زاد الوجود الأمريكي في المشرق، سواء في افغانستان أو في العراق، ومن قبل في الصومال تلك التي انسحب منها كلينتون كسيرا. ولا احد يمكن أن يخفض من فوران وجنون هذا العنف إلا بأن ننظر إلي مستويات الحياة في تلك البلاد التي ينتشر فيها القتل والانتحار والاستشهاد، ولا يمكن أن نقبل مثلا أن تتمتع اسرائيل برفاهية استهداف الفلسطينيين ونرفض في نفس الوقت اطلاق الصواريخ علي المستوطنات، فالعنف يولد العنف، ولابد من حكمة كبيرة تزرع في قلب الوجدان الاسرائيلي اهمية السلام والحياة للفلسطينيين كي ينعموا هم بالسلام، ولابد من أن يوجد بين شيعة العراق من ينبههم إلي أن السنة ليسوا أعداء أو كفارا، لمجرد ان صدام حسين كان سنيا، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بأن يملك اثرياء المال والمعرفة رؤية لما قاله من أكثر من اربعين عاما الرئيس كيندي حين ألقي خطاب استلامه للسلطة كرئيس للولايات المتحدة "فلنعمل معا ضد الجوع وضد الابادة" ولكن بلاده بعد سنوات طويلة صارت هي المصدرة الاولي لأسلحة الابادة. لابد من إعادة النظر في الخريطة التي تدير اعماق البشر، واعني بها مجمل سياسات الكون، ولن نعدم وسيلة للحصول علي فيلسوف أو مفكر ينادي بتقديس الحياة بدلا من اهدارها. منير عامر