لأول مرة في التاريخ الإنساني أصبح من يعيشون من البشر في بيئة حضرية أكثر ممن يعيشون في بيئة ريفية.. والبيئة الحضرية كما نعرف تستلزم وجود بنية أساسية مثل الطرق والسكك الحديدية وأنظمة الرعاية الصحية وشبكات الطاقة ومصادر المياه. وفي الدول الصناعية القديمة صارت هذه البنية الأساسية مسنة أما في دول العالم الثالث فإنها لاتزال في الغالب ناقصة أو غير موجودة. وتقول مجلة "تايم" إن العالم سينفق من الاَن وحتي عام 2030 ما يناهز ال 41 تريليون دولار لمجرد الإبقاء علي البنية الأساسية الحضرية عند مستواها الراهن. وهذه أنباء لاشك أنها تسعد كلاوس كلاينفيلد 49 عاما الرئيس التنفيذي الحالي لشركة سيمنز الألمانية العملاقة، فهذه الشركة تنتج العديد مما تحتاجه البنية الأساسية الحضرية من محطات الطاقة وأنظمة المياه وحتي غسالات الأطباق وغيرها.. وقد وضع كلاينفيلد خطة تجعل شركته تخرج بنصيب كبير من الإنفاق العالمي علي البنية الأساسية الحضرية خلال السنوات القادمة. والغريب أن هذا الرجل الطموح وشركته يتعرضان لفضيحة يجري التحقيق فيها منذ شهر نوفمبر الماضي حيث هاجمت الشرطة 30 من مكاتب سيمنز بما فيها مكتب كلاينفيلد نفسه وقامت بتفتيشها بحثا عن وثائق تدين الشركة بتقديم رشاوي إلي عدد من المسئولين الأجانب للفوز بعطاءات في قطاع الاتصالات. كما قامت الشرطة باحتجاز بعض كبار الموظفين والمديرين التنفيذيين في سيمنز. وفي يوم 19 ابريل الماضي ساء موقف كلاينفيلد بشدة عندما جري إجبار هنريتش فون بيير رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لسيمنز علي الاستقالة من منصبه خصوصا أن فون بيير هو الراعي الحقيقي لمسيرة كلاينفيلد في سيمنز وهو الذي اختاره ليخلفه في منصب الرئيس التنفيذي.. ولما كان عقد كلاينفيلد سوف ينتهي في سبتمبر الماضي فليس هناك الاَن من يمكن أن يضمن تجديده إذا ما طالت التحقيقات معه أو ثبت تورطه في فضيحة رشوة المسئولين الأجانب. ولكن ما يجدر الإشارة إليه هو أن كلاينفيلد يتصرف بثقة وقوة في مواجهة التحقيقات إلي جانب أنه أدخل تغييرا جذريا علي ثقافة سيمنز واستراتيجيتها لكي يفصلها تماما عما كان سائدا في عهد فون بيير من ممارسات. وانتدب الرجل إحدي شركات المحاسبة القانونية لمراجعة وتدقيق حسابات الشركة ولجأ إلي شركة استشارات جديدة وعين أحد الضباط السابقين في المخابرات العسكرية الأمريكية كمسئول عن الشفافية في كل أجزاء سيمنز. وفي الأشهر الأخيرة ركز كلاينفيلد علي إطفاء الحريق الذي كان قد بدأ يأكل في إيرادات الشركة.. والحقيقة أن الرجل قد بدأ الإصلاح مبكرا منذ توليه منصب الرئيس التنفيذي في يناير من عام ،2005 وكان من الطبيعي أن تزيد أرباح سيمنز في عام 2006 بنسبة 35% لتصبح 96.3 مليار دولار وأن تزيد المبيعات 16% لتصبح 117 مليار دولار في العام نفسه، وهو ما أدي إلي زيادة سعر السهم 40% كرد فعل طبيعي لثقة المستثمرين منذ تولي كلاينفيلد حتي الاَن. وتقول "تايم" إن مهمة كلاينفيلد لم تكن سهلة لأن فون بيير ظل يقود سيمنز من عام 1992 حتي عام 2005 ولذلك تجذرت في الشركة أساليبه حيث حرص علي أن يتصرف كبيروقراطي يعيش هو وشركته علي العطاءات والعقود الحكومية أو من الشركات المملوكة للحكومة، ولكن كلاينفيلد أعاد هيكلة الشركة مركزا علي 13 نوعا فقط من الصناعات مثل الأتمتة وتوليد الطاقة والتكنولوجيا الطبية والاتصالات.. ومع نهاية عام 2006 أصبحت سيمنز تستخدم قوة عمل قدرها 475 ألف شخص موزعين علي 190 بلدا كما أصبح 81% من إيراداتها يأتي من خارج ألمانيا. ويقول الخبراء إن كلاينفيلد حول سيمنز إلي شركة تتمتع بالصحة ومع ذلك فقد ظل هناك داخلها من يقاوم التغيير.. وقد حرص الرجل علي أن يجعل سيمنز تتحرك في السوق كشركة شابة وكمورد مرن لاحتياجات مشروعات البنية الأساسية في مختلف دول العالم. ولاشك أن كلاينفيلد قد استفاد من ثقافته الأمريكية حيث عمل رئيسا لعمليات سيمنز في الولاياتالمتحدة لمدة 3 سنوات متصلة وتعلم أن القطط والكلاب لا يمكن أن يلعبا معا في فريق واحد. ويقول العارفون إن كلاينفيلد رجل محب للموسيقي وطيب المعشر وقادر دائما علي التكيف مع المواقف وهذه كلها مواصفات عكس شخصية فون بيير الجامدة.. ولعل لذلك لم يكن غريبا أن يتصادم الرجلان بصوت مسموع حول استراتيجية سيمنز المستقبلية. وهناك من يري أن فون بيير يمثل ألمانيا القديمة في حين يمثل كلاينفيلد ألمانياالجديدة المتناغمة مع عصر العولمة ولعله لذلك أصبحت سيمنز تعمل في أمريكا في مجالات متعددة من تكنولوجيا المياه إلي المعدات الطبية وتستخدم 104 اَلاف عامل ويبلغ حجم مبيعاتها في السوق الأمريكي 31 مليار دولار بنسبة 26% من الإيرادات الكلية للشركة. وفي اَسيا تعمل في محطات الكهرباء وتحصل علي 15% من إيراداتها من السوق الاَسيوي.. أما في أوروبا "عدا ألمانيا" فيعمل لديها 128 ألف عامل وتحقق فيها 33% من الإيرادات في حين أن إيراداتها من السوق الألماني لا تتجاوز ال 19% بينما تستأثر ألمانيا بنحو 34% من جملة عمالة الشركة.