تأتي أهمية الطاقة في القارة الافريقية لما تتميز به من مصادر متنوعة, إلا أن سبل استخلاصها من الطبيعة مازالت محدودة مقارنة بالمستوي الذي يحقق الأهداف الإنمائية المختلفة. الأمر الذي انعكس بوضوح علي الجانب الأعظم من اقتصاديات دول القارة التي تعد مستوردا صافيا للطاقة, إذ أن حوالي70% من الدول الأقل نموا في افريقيا وحدها التي تضم35 دولة وصفها تقرير للأمم المتحدة الأقل دخلا والأكثر فقرا, بينما ينسحب هذا الوصف علي50 دولة علي مستوي العالم كله. وتصطدم عمليات التنمية وبرامجها المراد تنفيذها في الدول النامية والأقل تنمية بصفة عامة بالنقص الفادح في موارد الطاقة المتاحة للاستخدام المنزلي والصناعي ولتحريك عناصر البنية الأساسية مثل النقل وتوفير الخدمات التعليمية والصحة ومحطات مياه الشرب وغيرها, وبالتالي ستظل تلك الدول فريسة للفقر لركود التنمية وتراجعها. ومع الارتباط المباشر بين الطاقة والعديد من القضايا التي تؤثر علي التنمية المستدامة كالفقر والعمل والصحة وتغير المناخ أصبح نصيب الفرد من الطاقة أحد مؤشرات التنمية الذي ينخفض بشكل واضح في افريقيا عن باقي قارات العالم, مما يشير إلي أن نسب النمو في القارة غير كافية لتحسين مستويات المعيشة وتوفير المزيد من فرص العمل لاستيعاب البطالة وتحسين الدخول وتقليص حدة الفقر في دول القارة. وبالتالي فإن القارة الافريقية لن تتمكن من تحقيق أهداف الألفية في مجال التنمية بحلول عام2015 وتحقيق نسب نمو اقتصادي لا تقل عن7% سنويا. وقارة افريقيا التي نعيش في جزء منها صار من الواجب علينا النظر في مصادر الطاقة التي نعتمد عليها في الوقت الراهن وعلي جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية للتعرف علي احتياجاتنا الفعلية والوقف علي أهم التحديات مع طرح الرؤي والبدائل التي يمكن الاعتماد عليها في المستقبل, مما يحسن من مؤشرات التنمية ويخفف من حدة الفقر الذي شمل معظم سكان القارة الافريقية. وفي هذا السياق ومن خلال معهد البحوث والدراسات الافريقية أصدر قسم الجغرافيا الذي تشرف عليه الدكتورة عزيزة بدر24 بحثا كان عنوانه الأساسي( الطاقة في افريقيا.. الامكانات والمشكلات). وقد بدأ خبراء المعهد بتناول علاقة الارتباط بين تردي البنية الأساسية والطاقة بصفة خاصة وتراجع التنمية الاقتصادية والبشرية والقدرة الانتاجية وانتشار الفقر في القارة الافريقية بصفة عامة وأن معظم الدول الأقل نموا في افريقيا لديها اسوأ حالات البنية الأساسية في العالم, حيث بلغت نسبة الطرق الممهدة22% فقط من جملة الطرق وفي تلك الدول مقابل43% في الدول النامية و88% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECO). كما بلغت مصادر الطاقة التقليدية المستهلكة74% في الدول الأقل نموا مقابل23% في الدول النامية و4% في دول(OECO) وبلغت تكلفة الحصول علي خدمات الانترنت في الشهر حوالي3 أضعاف متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في أقل الدول تنمية, بينما بلغت ثلث الدخل في الدول النامية, و1% فقط في دول(OECO) وذلك وفقا لاحصاءات عام2003. وقدرت نسبة الحاصلين علي الكهرباء بحوالي16% من سكان الدول الأقل تنمية مقارنة ب53% في الدول النامية و99% في دول(OECO) لنفس الفترة, ومن ثم يصبح النقص الفادح في الحصول علي الكهرباء والتكنولوجيا الرقمية أكبر عقبة أمام الوصول إلي التقنيات الحديثة من أجل تحقيق التنمية المنشودة في افريقيا. ومن ناحية أخري, توقع الخبراء أنه مع بداية العام الحالي2010 سيحدث تحول ملحوظ في الدول الأقل نموا في افريقيا مع تزايد نسبة السكان الذين يبحثون عن عمل خارج قطاع الزراعة وسيتقلص المجتمع الريفي إلي أقل من الثلث في تلك الدول, مما سيؤدي إلي زيادة الضغط علي عناصر البنية الأساسية والطاقة خاصة في المناطق الحضرية وحول المدن, الأمر الذي سينعكس علي تناقص نصيب الفرد من الطاقة وانتشار الفقر. واعتمد الخبراء علي توقعاتهم بأن هناك علاقة وثيقة بين بنية أساسية جيدة وتوافر مصادر الطاقة وجودة نوعيتها لتحسين الوضع الاقتصادي والتنموي للقارة بأسرها. وبأن الأمر يتطلب بذل جهود كبيرة من جانب الحكومات وشركاء التنمية لتوسيع نطاق سبل الحصول علي الطاقة النظيفة غير المكلفة لاسيما في قارة افريقيا, حيث من المتوقع ارتفاع عدد السكان الذين سيعيشون بدون كهرباء من535 مليونا إلي أكثر من586 مليونا في عام2030. وقد أيقن الخبراء أن الاعتماد علي الوقود الاحفوري( الفحم والبترول والغاز الطبيعي) أدي إلي انبعاثات أضرت بالبيئة وصحة الإنسان, وأن تأثيرات تغير المناخ علي الزراعة سوف يؤدي إلي تناقص انتاج الغذاء وزيادة أعداد المهددين بالمجاعة, كما ستتأثر الدول التي تعتمد علي استيراد غذائها من الخارج تأثرا كبيرا. وإن معظم الأفارقة يعتمدون علي الطاقة التقليدية, وإن40% من احتياجات الطاقة تستمد من الأخشاب يقابلها7% في آسيا ويشكل خشب الوقود جانبا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مهما للأسرة الافريقية خاصة في دول جنوب الصحراء. إذ أن الأخشاب التي تستخدم كوقود تمثل89% من الأخشاب المقطوعة من الغابات ولا يبقي سوي11% منها لصناعات الأخشاب والمشروعات الصغيرة, كما أن استخدام الفحم النباتي أدي إلي تعرية الأرض ومن أمثلة ذلك تقلص الغابات حول مدن لوزاكا ودار السلام ونيروبي. ولخطورة استخدام الطاقة التقليدية فقد حذرت منظمة الصحة العالمية من كثافة استخدامها لآثارها الخطيرة علي تلوث البيئة مما يضر بصحة الاناث والأطفال خاصة دون الخمس سنوات, حيث بلغت نسبتهم87% من اجمالي المصابين بأمراض الجهاز التنفسي وأن استخدام المواطنين الأفارقة لحرق الأخشاب من نتائجه نقص شديد في مساحات الغابات, الأمر الذي يزيد من الجفاف والتصحر وارتفاع معدلات الغازات السامة كثاني أكسيد الكربون, وزيادة معدلات الوفيات لتصل إلي أكثر من2 مليون سنويا. وعلي الرغم من أن القارة تمتلك امكانات كبيرة من مصادر الطاقة إلا أن التوزيع الجغرافي غير متساو سواء علي المستوي المكاني أو النوعي, وهذا يؤكد أهمية التكامل الإقليمي والقاري في افريقيا. وتشيرالاحصاءات إلي تركيز قطاع الطاقة في ثلاثة أقاليم شمال إفريقيا تعتمد علي البترول والغاز وجنوب افريقيا علي الفحم وافريقيا جنوب الصحراء علي البيوماس( بقايا النباتات). وأن معظم الكهرباء في الاقاليم مولدة أساسا من الطاقة المائية والبترول باستثناء دولة جنوب افريقيا فإن90% من الكهرباء تأتي من الفحم, كما تشكل هذه الدولة45% من مجموع الطاقة الكهربائية المولدة في القارة وشمال افريقيا31%, بينما جنوب الصحراء24%. وانتقل خبراء المعهد إلي الأثر الاقتصادي لتوليد الكهرباء في افريقيا لكونها عصب التنمية والتطوير وبأن ضعف الاقتصاد الافريقي سببه انخفاض نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء الذي يقل عن50% من المتوسط العالمي, كما أن هناك شعوبا ودولا في جنوب الصحراء لم يتم امدادهم بالكهرباء حتي الآن! ويعادل اجمالي انتاج افريقيا من الكهرباء حوالي3% فقط من اجمالي الانتاج العالمي, و10% من انتاج أمريكا الشمالية و12% من الولاياتالمتحدةالأمريكية, وأن متوسط نصيب الفرد من استهلاك الكهرباء يعد أحد المؤشرات المهمة لتحديد المستوي الاقتصادي والاجتماعي للاقليم وأنه لايزال أكثر من نصف سكان القارة الافريقية يعيشون علي دخل يومي أقل من دولار واحد ويزيد معدل انخفاض الدخل في المناطق الريفية إذ يعد امداد شبكات الكهرباء للريف الافريقي من المصاعب التي تواجه افريقيا وفي الحد من استخدام مصادر الوقود التقليدي وذلك لتردي البنية الأساسية وشبكة الطرق بصفة خاصة.