ظلت قضية الاسري المصريين - لعدة سنوات - خاضعة للتصعيد والتهدئة تبعا للعلاقات الاسرائيلية المصرية وللظروف السياسية التي تمر بها المنطقة العربية، وفي عام 1995 تمت إثارة القضية في صحيفة الوفد علي نطاق واسع مرفقة بالوثائق والمستندات التي تؤكد قيام اسرائيل بقتل آلاف الجنود المصريين في عام 1967، في ذلك الوقت اهتمت الحكومة ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان بالقضية واكدوا ان القضية لا تسقط بالتقادم ولكن تأكد لنا انها كانت هّبة حماسية سرعان ما خمدت ولم تترك وراءها إلا الصمت والنسيان. ومنذ عدة سنوات رفع عدد من المحامين واقارب الضحايا عدة دعاوي قضائية امام المحاكم المصرية تطالب بمحاكمة قادة ومسئولين اسرائيليين من بينهم شارون لكن هذه القضايا - حفظت ولم يتم التحقيق فيها أي أن القضية تثار من فترة لاخري ولكن بث فيلم "روح شاكير" الان يهدف لرفع معنويات الاسرائيليين بعد هزيمتهم المنكرة في حرب لبنان الصيف الماضي كما انه بالون اختبار لقياس ردود الفعل المصرية الرسمية وما اذا كان سيتم اتخاذ اي تحرك ايجابي او اجراء تجاه اثارة القضية عربيا واقليميا ودوليا أم أننا سنلتزم الصمت كما تعودنا. اعترف بنيامين بن اليعازر وجنوده خلال الفيلم بقيامهم بقتل وابادة 250 أسيراً مصرياً اعزل في 1967 مما يعتبر دليلاً موثقاً لان القاعدة القانونية تقول ان الاعتراف سيد الادلة، ولكن حكومتنا لها رأي آخر حيث صرح السيد أحمد أبوالغيط باننا سوف نستعيد حق شهداء "وليس الشهداء" اذا ثبت ذلك واننا في حاجة الي تجميع وثائق وملفات قبل اتخاذ اي اجراء. هذه التصريحات تدل علي شيئين اولا ان الحكومة لم تتأكد بعد من قيام اسرائيل بهذه الجريمة رغم اعتراف الجناة بجانب شهادات واعترافات عدد من القادة والمسئولين الاسرائيليين الذين اكدوا هذه الجرائم تعليقا علي احداث الفيلم، وثانيا اننا ليس لدينا الملفات والوثائق التي قد تدينهم قانونا وهو ما يعني ان وزارات الخارجية المتعاقبة قصرت في إحدي مهامها الرئيسية وهي توثيق ورصد الاحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية المهمة التي واكبت حرب 1967، وان تكون حصلت بالفعل علي معلومات ووثائق من الصليب الاحمر والمنظمات الدولية والمؤرخين والقادة العسكريين. وبدلا من ان تقوم الحكومة بجهد حقيقي قام وزير الخارجية بمطالبة اسرائيل بفتح تحقيق في هذه القضية وتقديم أية مستندات ووثائق تفيد القضية وصرح باننا في انتظار الرد الاسرائيلي!! وعلينا ان نتوقع الرد الذي ظهرت بشائره في عرض فيلم وثائقي آخر يدعي تعرض أسري اسرائيليين للقتل علي أيدي جنودنا في عام 1973 اي ان الرد باختصار هو واحدة بواحدة. يجب ان تظل القضية مفتوحة وان نضعها علي قمة اولوياتنا ولا يثنينا عن ذلك اي ظروف او مبررات ولا يجب ان تكون العلاقات بيننا وبين اسرائيل سببا للتفريط في كرامتنا واستعادة حقوقنا القانونية والسياسية كما ان تجميد معاهدة كامب ديفيد او اتفاقيات الغاز والكويز لا تعني اطلاقا قطع العلاقات مع اسرائيل او اعلان الحرب معها، بل كان يجب ان تتخذ الحكومة اجراء فورياً ايجابياً وحاسماً بطرد السفير الاسرائيلي او سحب السفير المصري من اسرائيل ولا تكتفي باستدعاء السفير الاسرائيلي الذي وجه رسالة وقحة هاجم فيها نواب الشعب الذين ثاروا لكرامة الوطن، كما ان الحكومة لم تقاطع المسئولين الاسرائيليين بعد بث الفيلم. ومن المؤسف ان نري موقف حكومتنا يتسم بالهدوء الشديد والحكمة الزائدة عن اللزوم، في الوقت الذي لم تتوانٍ فيه اسرائيل لحظة واحدة عن بذل الجهود المشروعة وغير المشروعة لاطلاق الاسير الاسرائيلي جلعاد شاليط وفي سبيل ذلك قامت بتجويع الفلسطينيين وحاصرتهم بالاغتيالات والاجتياحات ناهيك عن الحصار الاقتصادي الذي ساهم فيه للأسف بعض الاطراف العربية بل انها تخطت الحدود الحمراء وقامت باعتقال واختطاف عدد من الوزراء ونواب المجلس التشريعي الفلسطيني الذين تحاكمهم حاليا ويواجهون أحكاما بالسجن وسط تجاهل وصمت عربي محزن ومخجل في نفس الوقت. لقد تم توجيه انتقادات حادة لحماس من قبل بعض المسئولين العرب والمصريين وطالبوها باستعادة الاسير الاسرائيلي جلعاد شاليط الذي لم يختطف كما يدعون بل أسر في معركة بين حماس وجنود الاحتلال كما انه لم يكن اعزل ومع ذلك كانت معظم الدول العربية احرص علي سلامته وحياته بدافع من الضغوط الاسرائيلية والامريكية في الوقت الذي لم نسمع فيه صوتاً عربياً واحداً يدافع عن آلاف الاسري الفلسطينيين والعرب الذين يعانون من كل انواع التعذيب واهدار حقوق الانسان داخل السجون الاسرائيلية واين حكومتنا من قضية الاسري المصريين في اسرائيل التي تقول انهم ينفذون احكاما ولماذا تكثف جهودها للإفراج عنهم كما فعلت من قبل وأفرجت عن الجاسوس عزام دون مقابل. من المهم استمرار الحماس والغضب الشعبي والاعلامي لإيجاد دعم قوي وراء القضية التي تمس الكرامة الوطنية وتمس حقوق دماء طاهرة وغالية دفعت حياتها ثمن الخسة والجبن.. ولكن الأهم ان تكون لدي الحكومة النية الحقيقية والارادة السياسية لتتعامل مع الموقف بحسم وقوة للقصاص من الجناة ودراسة كل الاقتراحات القانونية والسياسية المطروحة من اجل الحفاظ علي حقوق الاسري ويجب ألا يثنينا عن ذلك أية حسابات سياسية معقدة او اعتبارات اخري لانه اذا كانت القضية لا تسقط بالتقادم فانها سوف تسقط بالتجاهل.