تحليل اخباري يكتبه محمود مختار: هناك اعتبارات تبرر عدم اقدام "اوبك" خلال اجتماعها اليوم في فيينا علي اجراء اي خفض جديد لسقف الانتاج، اهمها حالة الثبات النسبي التي باتت تحظي به حالياً اسعار البترول حول مستوي ال 60 دولارا بعد انخفاضات بداية العام خاصة ان المستوي الراهن يرجع بصورة جزئية الي الحرص الذي ابدته الدول الاعضاء علي التمسك بحصص الانتاج المتفق عليها في اطار قراري الخفض الاخيرين. وبمقتضي ذلك فقد تم التعهد في العام الماضي باجراء خفض اجمالي لسقف الانتاج بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً من خلال جولتين، الاولي بدأ سرياتها في شهر نوفمبر، والثانية تم العمل بها في بداية فبراير. وتشير اغلب التقديرات المتاحة الي ان هناك تراجعا قد طرأ بالفعل علي مستويات المعروض من جانب اوبك بمقدار تجاوز المليون برميل يومياً علي مدي الشهور الاربعة الاخيرة. وفي ضوء ذلك تؤكد الاحصاءات الخاصة بشبكة "بلوم برج" الاخبارية ان انتاج "اوبك" الذي يسهم بنحو 40% من اجمالي الانتاج العالمي، قد بلغ في الشهر الماضي حوالي 26.5 مليون برميل يومياً بتراجع قدره 1.1 مليون برميل عن مستويات الانتاج المسجلة في شهر سبتمبر الماضي. ولا شك ان الالتزام بسياسات الانتاج المقررة من جانب "اوبك" كان له اكبر الاثر في ضمان وجود اجواء التوازن التي تشهدها حالياً اسواق البترول بين مستويات العرض والطلب وهو ما اسهم في الوصول بالاسعار الي مستويات تلقي استحسانا من جانب المنتجين والمستهلكين. ومن بين الاعتبارات التي حالت دون استمرارية للاسعار عند المستويات المنخفضة المسجلة في بداية العام، العامل "الجيوسياسي" متمثلا بصورة اساسية في ملف ايران النووي، الذي قد يكون له تأثير سلبي علي استقرار السوق البترولي، يتطلب الامر تلافيها، خاصة في حالة تفاقم الازمة وتجاوزها مرحلة العقوبات المفروضة حاليا ضد طهران. وبجانب العوامل الجيوسياسية، هناك عامل اخر ذو تأثير مباشر علي اتجاه السوق البترولي، ولا يمكن التعامل معه كمؤثر عارض، ألا وهو الاداء الاقتصادي وتحديدا علي مستوي القوي الكبري المستهلكة للطاقة، حيث تشير التوقعات الي ان الاقتصاد العالمي مازال يحظي بآلية نمو ايجابية، وبشكل يكفل استمرار تنامي مستويات الطلب علي موارد الطاقة، وبصورة خاصة البترول. الامر الذي يدعو للاكتفاء بإجراء دراسة متفحصة في التوقيت الراهن لظروف السوق بعيداً عن أية تغييرات لحصص الانتاج. ولعل ما يؤكد استمرار النمو المطرد في مستويات الطلب العالمي علي البترول، تلك الاحصاءات الحديثة الخاصة بوكالة الطاقة الدولية التي تشير في اطار بيانات اولية الي ان مخزونات البترول لدي دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي قد تراجعت بأكثر من 26.1 مليون برميل يوميا خلال اول شهرين من عام 2007 في ظل طقس الشتاء البارد متزامنا مع الانخفاضات التي شهدها انتاج "اوبك". واوردت صحيفة ال "فاينانشيال تايمز" البريطانية عن وكالة الطاقة الدولية ان مستويات المخزون البترولي لدي تلك الدول الصناعية قد تتجه لتسجيل اكبر تراجع ربع سنوي لها منذ نحو العشر سنوات. وتعكس تلك التقديرات النمو الجيد الذي تحظي به مستويات الطلب علي البترول من جانب الدول الرئيسية المستهلكة، وهو ما يمثل دعما مباشراً للاسعار، التي مازال مستبعداً اقترابها مجدداً علي المدي المتوسط من مستوي ال 50 دولارا. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن ضخ المزيد من مستويات المعروض البترولي سيكون امراً مطلوبا من جانب "اوبك" خلال الشهور القادمة. واشار تقرير وكالة الطاقة الدولية، كما اوردت شبكة "بلوم برج" الاخبارية، الي ان الطلب العالمي علي البترول قد يسجل ارتفاعا العام الحالي ب 1.8% ليكون في حدود ال 86 مليون برميل يومياً. وتأتي تلك التقديرات في الوقت الذي كانت قد اظهرت فيه وزارة الطاقة الامريكية تراجعاً في مخزونات بترول الولاياتالمتحدة بحوالي 5% علي مدي 15 اسبوعا. ويمكن القول انه في ظل الانعكاسات الايجابية لقراري الخفض الاخيرين اللذين تم اتخاذهما في كل من الدوحة وابوجا، فإن اجتماع فيينا اليوم سيستهدف اجراء تقييم من جانب "اوبك" للتطورات التي طرأت علي اداء السوق البترولي من حيث المستويات الراهنة للاسعار وتوازن قوي العرض والطلب، فضلاً عن الانكماش الحالي في المخزونات البترولية لدي الدول المستهلكة، وهو امر يمثل اهمية لتحديد طبيعة التحركات التي يمكن اتخاذها خلال المرحلة المقبلة خاصة ان هناك احتمالات حدوث تراجع اعتيادي لمستويات الطلب العالمي في فترة الربع الثاني.