هناك اعتقاد راسخ لدي المصريين بأن بعض مظاهر الخلل التي أصابت حياتنا سيكون ومصيرها الزوال وأن النيل قادر علي أن يقتلع في طريقه كل الشوائب والرواسب ليمضي شامخاً واننا مهما عانينا من مظاهر الفساد ونوبات المفسدين سوف نتجاوز ذلك كله.. وهذه رسالة من صديق فاضل تؤكد هذا المعني الجميل. الأستاذ فاروق جويدة في هامش من هوامشك الحرة المتفردة: عمقاً ووطنية، تناولت "مؤسسة هيكل" تحت عنوان: بين السياسة والصحافة كاشفا أهمية هذه المؤسسة في بناء عقليات تكون علي مستوي أهمية الرسالة الصحفية، ودورها في تشكيل الوعي المجتمعي الصحيح، والمشاركة في بناء الوطن، وفي الاصلاح المنشود، وغيرها من الأهداف النبيلة السامية، المستمدة نبلها وسموها من مؤسس المؤسسة، والتي معها تتضاءل ملايين الجنيهات والدولارات، فالقيمة الحقيقية ليست في الانفاق مهما كان حجمه، أو في المبني مهما كانت امكانياته، وانما في "المعني" بكل ما ينطوي عليه من قيم واخلاقيات انسانية ووطنية، ومهنية عميقة الدلالة، وهذا ما يضفي الاهمية علي مؤسسة الاستاذ الصحفية، خاصة استهدافها الشباب بكل ما يتميزون به من حماسة وصدق التوجه، وباعتبارهم المخزون البشري للأمة. واستأذنكم في الاشارة إلي ما هو مستقر لديكم أنتم، وكامن وفي اعمق اعماقكم من الحب والايمان الصادق بهذا الوطن، وقدرته علي تصحيح المسار، "في مصر وان اهتزت يوما فهي الباقية دوما" أما ما تحمله هوامشكم أحيانا من "مسحة حزن" والتساؤل: "ماذا أصابك يا وطن؟" فهي مشاعر المحب الخائف علي الحبيب، ولو من "همسة هوا". فالوطن معطاء، وممتليء بالمخلصين الأوفياء، ولديهم الاستعداد لبذل أقصي الجهد، ولسان حالهم يردد مع الزعيم مصطفي كامل "لو لم اكن مصريا لوددت أن أكون مصريا". لا نقول هذا عن تعصب أو شيفونية وطنية، وإنما الحقيقة والواقع. ولن انسي ما حييت شاعرنا وكاتبنا العظيم لحظات عشتها أيام حرب الاستنزاف والعبور العظيم، لحظات كان الاستشهاد فيها اقرب من حبل الوريد، فيها تاه الزمان والمكان، ولم يبق في الوجدان سوي "حب مصر" من شباب في عمر الزهور، يتقدم وثابا غير هياب، تسري في جسده رعشة الصرخة "الله أكبر". ومنذ هذه اللحظات امنت بأن مصر قادرة علي البناء، مهما كان الفساد، أو نفوذ الاجسام القبيحة الطافية علي وجهها، من المفسدين، والمتاجرين بقوت ابنائها، ومن يأكلون باسمها ولم يعد يطلق عليهم صفة الفهلوة، وانما وعلي حد تعبير شيخنا حامد عمار "التهبيش" بكل ما يحمله هذا الوصف من معان ودلالات. بل لم يقف الامر عند حد "جمع المال" وانما التطلع إلي "السلطة" لاتخاذها مظلة للمزيد من الغني والثراء، ولا بأس في الوصول إليها من استخدام كل الأساليب اللا اخلاقية. وليست فقط غير المشروعة. نعم كل هذا وأكثر منه موجود، ويشوه وجه مصر الجميل بعلمائها وكتابها ومثقفيها، وجنودها علي الحدود. لكن يبقي انها حالات طارئة، ونتاج ظروف استثنائية، ولها تعرضت مصر عبر تاريخها الطويل لما هو أشد منها عنفا وضغطا، ولكن بقيت مصر، وستبقي مهما اشتد الكرب، وألمت بها المحن. شاعرنا العظيم باختصار، مصر في قلب ووجدان كل مصري، ومهما تباعدت الديار ولم لا؟ وعالمنا العالمي طبيب القلب مجدي يعقوب الذي تكاتفت عليه كل عوامل الضغط من عديمي الذمم والضمائر، وآثر الرحيل، ليعيش في انجلترا، وهناك وصل للعالمية، ومع ذلك بقيت مصر في قلبه ووجدانه، ويأتي لها من وقت لاخر لإجراء عشرات العمليات لفقراء مصر، وأخيرا وليس اخرا فإنه قام كما نشر "بإهداء وحدة "لقسطرة القلب" إلي مستشفي أسوان التعليمي" وتبلغ تكاليفها عشرة ملايين جنيه، وهو بهذا يضع نواة لإنشاء أول وحدة متخصصة لعلاج امراض القلب ليس فقط لأسوان وإنما وعلي تعبير احد الصحفيين المتابعين لكل ابناء افريقيا، كما تبرع بوحدتين للاشعة بالرنين المغناطيسي قيمتهما خمسة عشر مليونا من الجنيهات، ناهيك عن القيام بعلاج العديد من الحالات المرضية لابناء اسوان. هذا مجرد نموذج يؤكد ان مصر هي مصر هبة كل المصريين، مهما كان الفساد والمفسدون، وان ما اصاب الوطن واجابة علي تساؤل لك سابق مجرد حالات طارئة وظروف استثنائية، أو قل وضعا شاذا، نشازا، لا حساب له في عمر مصر الطويل، فمصر وان اهتزت يوما فهي الباقية دوما. دكتور محمد سكران استاذ بجامعة الفيوم Prof.sakran@hot mail.com