الثروة المعدنية في مصر "مهدرة" هذا هو التعبير الذي كثيرا ما تناولته الصحف وكتابات الجيولوجيين وحتي التصريحات الحكومية عن صناعة التعدين في مصر.. الجديد أن وزارة البترول أعلنت مؤخرا عن استراتيجية يجري اعدادها مع مؤسسة التمويل الدولية لصياغة سياسة تعدينية تمكننا من استثمار هذه الثروة الراقدة تحت الأرض، وفي هذا الحوار حاولنا أن نستشف من فرانك سيدر المدير الاستراتيجي ومدير العمليات لتمكين البيئة الاستثمارية بمؤسسة التمويل الدولية ملامح هذه الاستراتيجية الجديدة. * هناك الكثير من الجدل حول الثروة المعدنية المهدرة في مصر.. لذا أود أن اسأل ما أولوياتنا في استكشاف الثروة المعدنية؟ ** تشكل معرفة ما تمتلكه تحت الأرض وتكلفة استخراجه واحدة من أهم المشكلات المتعلقة باستكشاف الثروة المعدنية في الدول النامية وهذه هي وظيفة شركات استكشاف واستخراج المعادن وتعتمد معظم دول العالم علي القطاع الخاص لكي يخبرها ما هي ثرواتها الموجودة تحت الأرض بالنسبة لمصر فالثروة المعدنية مازالت مجهولة وما عثرنا عليه نسبة قليلة منها، فهناك شركتان بالفعل حددتا فرصاً عالية لاستخراج الذهب وبالتأكيد سيكون في المستقبل صناعة ذهب قوية وهناك بالتأكيد معادن أخري ثمينة ترقد تحت الأرض. * ولكني اسأل عن الملامح العامة لاستراتيجية التحرك في استكشاف الثروة المعدنية من منطلق معرفتنا العامة بهذه الثروة؟ ** استراتيجية التحرك بسيطة.. دع القطاع الخاص ليقوم بالاستكشاف ويقوم بالعمل العلمي فالقطاع الخاص الآن يتطلع للذهب لأنه حدد مكانه وتأكد من أنه سيكون هناك قيمة تجارية من استكشافه ونفس الأمر سيحدث مع المعادن الأخري كما أن عامل "الصدفة" يلعب دورا مهما في عملية الاستكشاف فبمجرد استكشاف معدن ما تجد معدنا آخر راقداً تحت الأرض بجواره. * لكننا نفتقد في مصر لوجود شركات البحوث المتخصصة في استكشاف المعادن؟ ** مصر تفتقد الكثير من المعلومات في هذا المجال لأن صناعة التعدين ظلت لفترة طويلة ليست من أويات البلاد فالتركيز كان علي البترول والغاز.. وهذه المشكلة من السهل حلها إذا وجدت بيئة جذابة لشركات التعدين لتأتي للاستكشاف فالقطاع الخاص يستطيع مساعدة الحكومة في بناء بنية معلوماتية عن الثروة المعدنية في مصر، كما أن له خبرة جيدة في قطاع استكشاف البترول ومن الممكن أن تتجه هذه الشركات للاستثمار في قطاع التعدين. * الدول النامية عادة ما تقدم حوافز للاستثمار في مجال التعدين لاجتذاب رؤوس الأمول إليه.. فما هي الحوافز المطلوبة من مصر؟ ** الحافز الرئيسي هو أن توجد بيئة استثمارية تجعل السوق المصري يصنف علي المستوي العالمي بأنه سوق جذاب فصناعة التعدين صناعة شديدة التنافسية علي المستوي العالمي وتتنافس فيه بقوة دول مثل تشيلي وكندا وجنوب أفريقيا والشركات لديها القدرة علي اختيار المكان الذي ستخاطر بأموالها فيه نظرا لأن صناعة التعدين تستغرق سنوات طويلة تصل إلي من عشرة إلي عشرين عاما لذا فقد لا تحتاج إلي "مقبلات" لاجتذاب المستثمرين بقدر احتياجك لوجود نظام مالي وإداري واضح يخبر الشركات عن الرسوم والضرائب وجميع التكاليف التي سيدفعونها للحكومة لكي يحددوا هل هذا البزنس مربح أم لا فعنصر الأمان يلعب دورا مهما في اجتذاب الاستثمار الأجنبي في هذا المجال لذا يجب أن يكون هناك دائما نظام قياسي محدد وجذاب يوضح الاطار العام للسياسة التعدينية. * وكيف تقيمون السياسة التعدينية في مصر؟ ** هناك عدم وضوح في تكلفة الاستثمار وشروط الاتفاق بشكل عام والتي كثيرا ما تخضع للتفاوض مع الحكومة ولا تكون محددة سلفا وهذا وضع يختلف عن الغرب واستراليا ففي هذه الدول تجد الشروط معدة سلفا والشركات تستطيع أن تحسب كل شيء وتقدر أنها إذا أرادت أن تستكشف معدنا معينا فما هي المدة المتاحة لاستفادتها منه وكم ستكلفها الأرض ونظم الترخيص والاستخراج وهذا الأمر قد يكون مفتقدا في مصر. لكن الخطوة التالية التي يجب العمل فيها هي تأسيس نماذج للاتفاق علي عمليات استكشاف المعادن وسياسة موثقة للإجراءات المتعلقة بهذا القطاع. * ما اقتراحاتكم للاصلاح التشريعي المطلوب في هذا المجال خاصة فيما يتعلق بإدارة المحليات لهذا الاستثمار؟ ** هناك احتياج فعلي للإصلاح التشريعي لأن القانون قديم ووزارة البترول تسعي لتحديثه ويجب أن يخرج التشريع الجديد بآلية تجعل تراخيص الاستكشاف أكثر شفافية ويتم حساب النظام المالي علي أساس اقتصادي بحيث يجعل الاستثمار مجديا ويحقق الربح المأمول في ظل التنافس الدولي القوي مع الدول الأخري. ووزارة البترول تسعي حاليا لتحديث هذه التشريعات أما بالنسبة للمحليات فيجب التأكد من أنها تلعب دورا في توجيه عوائد هذا الاستثمار لتنمية المجتمعات المحلية المحيطة فهذا هو الحال في دول أمريكا اللاتينية مثلا. * بالنسبة للسياسات المتعلقة بتقسيم العوائد هل يجب أن نقلل أو نرفع من نسبة العائد الذي تحصل عليه المحليات من المعادن المستخرجة؟ ** القضية ليست قضية تقليل نسبة الحكومة لصالح المستثمر أو زيادتها لصالح المجتمع ولكن السؤال الرئيسي الذي يجب أن نطرحه في هذا الصدد هو ما الذي نحتاجه لجعل مصر منافسة للدول الافريقية الأخري في هذا المجال. * هل من المفترض أن يكون الاعتماد بالكامل علي الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع لارتفاع تكاليفه الاستثمارية؟ ** الاستثمار في استخراج مواد البناء كالجرانيت أو الرخام عادة ما يكون محليا أما في المعادن مرتفعة القيمة فهناك احتياج لرؤوس أموال ضخمة وخبرة في هذه الصناعة والقضية هنا ليست قضية وطنية بل هي مسألة استثمارية بالدرجة الأولي فعادة الشركة المستكشفة تتحمل تكاليف الاستثمار في البداية ومع بداية الاستخراج تجتذب رؤوس الأموال حتي من مؤسسات مثل مؤسسة التمويل الدولية أو تطرح اسهمها في البورصة ويشارك فيها المساهمون وبالنسبة للخبرة فهي قد تكون مفتقدة بعض الشيء في مصر إلا أنها تنمو مع نمو هذه الاستثمارات ففي استراليا علي سبيل المثال شركة مصرية بخبرة مصرية ولكنها نمت في السوق الاسترالي لتقدم مستوي هذه الاستثمارات.