كلما رأيت شحاذا في الطريق - وما أكثرهم هذه الايام - تذكرت علي الفور ملامح عبدالحليم حافظ وهو يحكي لي عن مشهد شحاذ اقترب من سير لورانس اوليفيه وهو واحد من اكبر ممثلي انجلترا وهو من وهب معظم حياته لمسرحيات شكسبير، وكان سير لورانس يسير مع عمر الشريف حين اقترب منهما هذا الشحاذ وبدأ يلح في طلب المساعدة وتركه سير لورانس اوليفيه الي ان انتهي من رواية قصته الكاذبة ثم اخرج عددا من الجنيهات الاسترلينية ليهبها للشحاذ وهو يقول له انت ممثل عظيم وقد ضللت طريقك الي الشحاذة. وعادة ما ارقب وجه اي شحاذ وهو يتقرب من شباك السيارة كي يفحص ملامح الراكب ومن معه وهم في الغالب يركزون علي النساء لا لأن المرأة اضعف في مشاعرها من الرجل ولكن لان المرأة بحكم التكوين والميراث التاريخي عانت وتعاني من الوان قهر يسهل معها في الغالب استثارة مشاعرها. ولست انسي ابدأ مشهد شحاذ احترف في الصيف الماضي الوقوف امام سوبر ماركت مترو بشارع سوريا ويحترف التسلل الي السوبر ماركت ثم يلتقط فرخة مجمدة ويقترب من الخزينة ويبدأ في التوسل لمن عليه الدور في الدفع، وغالبا من يندفع من سيدفع ليحاسب للشحاذ علي الفرخة. وشاء حظ هذا الشحاذ العاثر ان يحاول تلك المحاولة معي فما كان مني الا ان استدعيت امن المحل، وسألتهم ببساطه هل يقسم هذا الرجل معكم؟ هل يقدم لكم اكراميات؟ وما كان من مدير المحل الا ان جاء علي صوتي الزاعق بشكل مبالغ فيه. وامر الامن بإخراج الشحاذ خارج المحل. كنت علي ثقة ان هذا الشحاذ قد جمع في يوم واحد اكثر مما يجمع وكيل وزارة ولم افعل ذلك عن قسوة لأني حين اخرج الصدقة عن نفسي او عن اسرتي فأنا اعلم ان جمعية مصطفي محمود تعرف عشرات المئات من الاسر المحتاجة اكثر مني فهم قد درسوا حالتهم، فضلا عن اني احب ان تسافر النقود التي ادفعها للزكاة او الصدقة الي المناطق التي لا يصلها اي نوع من انواع الدعم من القاهرة، مثل الواحات او اقاصي الصعيد، وهو ما تفعله جمعية مصطفي محمود بل وتزيد علي ذلك انها تفتتح مشاريع لتربية المواشي والاغنام كي تتيح لتلك الاسر البعيدة مصدر رزق كريما وبسيطا. لا اعرف متي يجمع كل من عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة وفتحي سعد محافظ الجيزة وعادل لبيب محافظ الاسكندرية عشرات المئات من الشحاذين وتقوم وزارة الداخلية باعتقالهم في معتقلات يستحقونها في الواحات مثلا كي يزرعوا ويقلعوا وينتجوا ومن المؤكد ان تلك المعتقلات لا تخالف شرعا او قانونا ولكنها يمكن ان تعلم منهم من لا يعرف مهنة ما. هلي أنا قاس؟ قد يكون الامر كذلك ولكن علي من يتهمني بالقسوة محاولة شرب فنجان قهوة في تريانون الاسكندرية امام تمثال سعد زغلول ولسوف يوافقني علي قسوتي لان الشحاذة في الاسكندرية فاقت كل تصور او خيال وبجراءة تصل الي حد الوقاحة في كثير من الاحيان. منير عامر