"رئيس جمهورية لمدة دقيقة" كتاب جريء وشيق للكاتب والإعلامي جمال الشاعر، يخاطب فيه كل المصريين بقوله: لو كنت رئيسا للجمهورية لمدة دقيقة واحدة.. قل لنا ما الذي تتمناه لها.. وماذا أنت فاعل؟ لو حدث ذلك لكانت لدينا 70 مليون فكرة نيرة تتحول إلي مشاريع خلاقة ندخل بها عصر "نهضة مصر". ورغم أنني معجب بالفكرة، وال 70 مليون اقتراح الذي سيودعه المصريون في بنك الأفكار المركزي نتيجة العيش في الحلم لمدة دقيقة، فإنني أري أن جمال الشاعر قدم للناس دابة خرافية تحلق بهم في آفاق الآفاق، وما بعد البعد، بينما حود ومنتهي خيالهم إذا ما سافروا ملايين السنوات الضوئية هي أحلام غاية في البساطة. كل منهم يحلم بعش عصفورة يعيش فيه.. وأن يأكل لقمة هنية من قمح بلاده خالية من الهرمونات، وليس بها مبيدات.. ويستنشق هواء به أكسجين مثلما فيه ثاني أكسيد الكربون والرصاص والهباب والقطران.. ويشرب من الحنفية ماء تنطبق عليه المواصفات التي درسناها في الكتب ولم نتذوقها في الواقع.. وهي أن يكون الماء بلا لون ولا طعم ولا رائحة. أسرحوا بخيالكم كما شئتم وأجيبوني: هل هناك أبسط من ذلك؟ المؤكد لا، مع ذلك فهو غير موجود، رغم اننا مازلنا نتحدث عن ألف باء حياة: كسرة خبز.. ونسمة هواء وشربة ماء!! وتخيلوا لو كان سؤال جمال الشاعر هو: ماذا لو كنت في ليلة القدر واستجابت السماء لدعواتك لمدة دقيقة وهبطت عليك مائدة بها طعام صحي ينزل في معدتك بالهناء والشفاء وليس ممزوجا ومعجونا بالمبيدات والهرمونات فينزل في جوفك بالسم الهاري ماذا ستفعل؟ وماذا لو تبدل الهواء الذي تستنشقه وأصاب رئتيك بالتصحر بهواء نقي، ينعشك ولا يقتلك. وماذا لو تحقق حلمك بعد أن امتلكت مصباح علاء الدين ورأيت بعينيك كوب ماء زلال لذة للشاربين، تشربه أنت وطفلك دون خوف من عوامل الفناء السريع. كل هذا ونحن لم نطمع في درجة أعلي من الحلم وهي أن يتخيل المواطن بلاده وقد أصبحت معقلا للديمقراطية تحترم حقوق الانسان وتجري فيها انتخابات نزيهة حرة.. ويشعر كل أبنائها مسلمين ومسيحيين بأن البلد بلدهم والوطن وطنهم.. وان نحترم القانون ونلتزم بالدستور دون فرق بين كبير وصغير ومن له ظهر ومن هو مقطوع من شجرة. تخيلوا لو تحقق هذا الحلم وعشنا فيه ولو لمدة دقيقة واحدة ماذا سيحدث؟ المؤكد أن مصر ستكون بحق أم الدنيا. ورغم كل هذا الخيال الذي منحنا إياه جمال الشاعر، فأنا لا أمانع في أن استغل هذه المنحة وأحلق في عنان السماء وأحلم معه ومع المصريين بعيدا عن أرض الواقع هذه الدقيقة، فالأحلام كما يقول هي كنز الغلابة والخيال هو ثروة هذه الأمة فلماذا لا نحلم. لكن المشكلة ان البعض يمكن ان يعتقد أن دقيقة المنحة من جمال الشاعر هي مغنم ومكسب، فهي علي العكس تماما "تدبيسة ما بعدها تدبيسة".. فعلي من يعيش هذه الدقيقة ان يتذكر انه وبمجرد الموافقة ستعلق في رقبته المسئولية الكاملة عن 70 مليون مواطن، وسوف يسأل أمام الله عنهم، وبالتالي فعليه طوال 60 ثانية أن يقدم الوصفة السحرية التي تبدد همومهم، وتعالج مشاكلهم، وتدخل السعادة والسرور علي نفوسهم. أي انه علي كل من يقبل التحدي ويركب حصان الخيال ويسافر به، لابد بمجرد أن يعود إلي الأرض أن نري كل منغصات حياتنا قد لبست طاقية الإخفاء وذهبت بغير رجعة .. فمن غير المعقول بعد هذه الرحلة أن يظل التعليم مشكلة كل بيت وأن تبقي الدروس الخصوصية هما بالليل وكدرا بالنهار. وأن تظل الصناعة علي حالها، لانفخر لكونها مصرية، حيث لم ننجح حتي الآن خارج سياق وحدود المواصفات القياسية، بما في ذلك للأسف علب الكبريت وأقلام الرصاص. ونفس الشيء بالنسبة لمشكلة البطالة، وهروب المستثمرين، وفوضي المرور، وغياب التخطيط، والوصول إلي ما يسمي بالحكومة اليدوية الفاعلة بدلا من الإلكترونية المرفوعة من الخدمة.. مع ذلك جمال الشاعر يصر علي الحلم.. فيقول: نحلم بخيال سياسي واكتتاب شعبي جماهيري، في بنك مصر، بنك الأفكار.. بقي التمكين وإطلاق الطاقات الحبيسة.. شباب مصر العبقري الذي يطلقون عليه عفاريت الإنترنت قادر علي صنع المعجزة وزراعة أودبة إلكترونية تعود علي مصر بالمليارات مثل وادي "بنجالور" في الهند.. عقول قادرة علي حل مشكلات الإسكان بابتكاربيوت صغيرة.. وحل مشاكل الزراعة بادخال أحدث نظم الميكنة والهندسة الوراثية.. لدي مصر والمصريين القوة ولكن ليس لدينا القدرة علي تحقيق قفزة الوثب العالي نحو الإصلاح والحداثة .. لذلك يطالب بفتح شبابيك الأمل للأجيال والإنصات إلي المواطن المصري جيدا.. فهو لديه أفكار مبهرة.. منصب الرئاسة هو فرض كفاية، ولكن تفكير المرؤوسين في صناعة المستقبل هو فرض عين.. هذه ليست بلد الحكومة إنها بلدنا .. بلد كل مصري ومن حقه أن يشارك. علي العموم باب المشاركة مفتوح ومركبات السفر بالخيال معدة وجاهزة.. وجراب مصر مليء بالمشاكل والهموم، وعلي من يقبل العرض ويوافق علي أن يكون رئيسا للجمهورية لمدة دقيقة واحدة أن يتقدم إلي ساحة النزال، ويشمر عن ساعد الجد ويمسك بالسيف ويبارز كل المشاكل حتي يطيح بها، هل من منازل .. هل من مبارز؟ ملحوظة أخيرة : القضية خيالية بحتة وزمن السفر المسموح به هو دقيقة واحدة فقط .. مع ذلك فالسفر هو مسئولية كل مسافر دون أدني مسئولية منا.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.