تفجر التعديلات الدستورية الجديدة المطروحة للمناقشة حاليا وتتضمن 34 مادة من بين مواد الدستور المصري الدائم الحالي البالغة 211 مادة العديد من التساؤلات المهمة والخطيرة، ويأتي علي رأسها الطريقة التي ستتم بها تلك التعديلات خاصة انها تتم بنفس سيناريو تعديل المادة "76" الذي لم يمر عليه أكثر من عام حتي دخل مجددا دائرة التعديل ضمن التعديلات الجديدة. وفيما يناقش مجلسا الشعب والشوري هذه التعديلات تطرح العالم اليوم "الأسبوعي" العديد من الأسئلة حولها وخاصة ما يتعلق بطريقة التنفيذ التي تتم بنفس الإجراءات التي تمت في تعديل المادة 76 والمخاوف من تكرار نفس النكسة التي اسفرت عنها سواء من حيث الشكل أو المضمون. لم يجد الدكتور إبراهيم درويش الفقيه الدستوري المعروف ما يصف به الطريقة التي يتم تنفيذ التعديلات المطروحة لمواد الدستور سوي تعبير "مسرحية هزلية" ويلفت إلي ان أحداثها سبق وتمت أثناء تعديل المادة ،76 والتي أثبتت فشلها فيما بعد، وتخضع حاليا للتعديل في فقرتيها الثالثة والرابعة مرة أخري، نتيجة لأن هذا التعديل عندما تم كان بناء علي قرار من رئيس الجمهورية، وليس بإرادة نواب مجلس الشعب، وبذلك افتقدت المادة جديتها، ولم تضف جديدا للحياة السياسية، واكتفي هؤلاء النواب بالتصديق عليها وسط زفة حكومية، خاصة وان معظمهم لا يدركون ولا يعلمون أو يقرأون عن الدستور شيئاً، وبالتالي وقع الفشل الذي نجني ثماره. ويحذر الدكتور درويش من أن نفس السيناريو سيتكرر مرة أخري مع المواد المطروحة الآن، ويلفت إلي أن من بين المواد ال 34 المطلوب تعديلها 11 مادة تتعلق بالاقتصاد الاشتراكي "معطلة" وانتهي العمل بها تماما منذ بداية الثمانينيات مع بدء التوجه نحو النظام الاقتصادي الحر، فيما نجد ان ال 24 مادة الأخري المطروحة للتعديل، لن تؤدي إلي الحراك المنشود وإنما ستزيد من احكام السلطة علي مقاليد الأمور. ويصف د. درويش هذه التعديلات أيضا بأنها مجرد عمليات ترقيع للدستور، لم تشهدها دساتير العالم، ولن يكون هناك مخرج إلا بتغيير الدستور وإحلال دستور جديد، مثلما حدث في دستور 1952 ، 1958 ، ،71 وذلك من خلال تشكيل لجنة تأسيسية، علي غرار ما يتم في العديد من دول العالم، ويتم تشكيلها من مجموعة من الخبراء والمتخصصين في الدستور يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب، لوضع مواد الدستور. ويوضح انه لا ضمان للأخذ بآراء القوي السياسية وخبراء القانون، بعد الأحداث التي شهدها الخبراء في تعديل المادة 76 عندما تجاهلت الحكومة آراء الخبراء والمتخصصين، والالتفات علي حد تعبيره لحملة المباخر وكدابي الزفة. مسكنات كما تري الدكتورة فوزية عبد الستار وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشعب الأسبق وأستاذ القانون بجامعة القاهرة ان التعديلات المقترحة لن تغير من حالة الشارع السياسي، ووصفتها بدورها بأنها مجرد مسكنات للحياة السياسية، وتلفت إلي أن الحراك السياسي الذي تستهدفه الحكومة، يتطلب انسجاما وتناسقا بين مواد الدستور، وهو ما لن يتحقق سوي بتغيير الدستور، عبر نخبة من الأساتذة والمتخصصين بما يلائم البيئة المحيطة، ويشير إلي ان عرض التعديلات علي مجلسي الشعب والشوري لن يحقق الهدف المأمول، لأن النتيجة محسومة مقدما، في ظل السيناريو المتوقع من جانب الأعضاء بالتصديق علي هذه التعديلات، دون مناقشة وحوار حقيقي، وبسبب غياب الوعي بين النواب لمفهوم ومواد الدستور، كما تلفت إلي ضرورة الاستناد للمتخصصين ومشاركة القوي السياسية في تعديل المواد الدستورية. الدعوة باطلة ويصف الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري التعديلات بالوهم، وان الدعوة إليها باطلة، حيث ان التعديل يجب ان يأتي نابعا من إرادة أعضاء البرلمان، مثلما يحدث في الدول التي تمارس الديمقراطية بوجهها الحقيقي، وان هذه التعديلات يجانبها الصواب، لاعتبارها نابعة من رئيس الجمهورية، الذي يمثل أعلي سلطة في الدولة، ومن هنا ستكون مباركة نواب مجلسي الشعب والشوري، لهذه التعديلات، دون اعتراض. ويتساءل د. البنا: كيف يحل رئيس الوزراء محل رئيس الجمهورية، والقيام بأعمال نائب الرئيس في حالة حدوث مانع مؤقت أو دائم كما تضمنته تعديلات الفقرة الأولي من المواد 82 و84 والفقرة الثانية من المادة ،85 فلا يوجد دستور في العالم ينص علي ذلك، وكيف تغفل التعديلات فيما يتعلق بالمستقلين الذين يمثلون 98% من أبناء الشعب، ووضع قيود تحرمهم من الترشيح لمنصب الرئيس وكل هذا سيؤدي إلي تكرار كارثة المادة 67، التي لم تقم علي أسس ملائمة، وبالتالي تم إعادة النظر في تعديلها مرة ثانية. ويري د. البنا ان الشعب بكامل طوائفه وانتمائه الحزبي عليه المشاركة في هذه التعديلات بإبداء رأيه حتي يتحقق حراك سياسي حقيقي للحياة الحزبية والشارع السياسي. التعديل وفق الدستور أما الدكتور شوقي السيد وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشوري فيؤكد ان الطريقة الحالية التي يتم بها تعديل مواد الدستور تعتبر الأنسب، وفقا لنص المادة 89 من الدستور والتي تنص علي ان يكون تعديل مواد الدستور إما بطلب من ثلث أعضاء مجلس الشعب أو من رئيس الجمهورية، ثم تناقش هذه التعديلات في فترة تستغرق نحو 60 يوما، يتم بعدها الاستفتاء ثم التنفيذ، ويضيف انه رغم تجاهل آراء القوي السياسية والمتخصصين فيما يتعلق بتعديل المادة ،76 إلا ان ذلك لا يتطلب الانسحاب في إبداء الرأي في هذه التعديلات لأنها ترتبط بالمستقبل السياسي للدولة، والبحث عن تحقيق الديمقراطية. ويشير إلي انه رغم هذه التعديلات إلا انها لم ترض الطموحات، حيث إن هناك مواد مهمة تتطلب التعديل منها المادتان 93 ، 77 المتعلقتان بالحصانة البرلمانية للنواب، مؤكدا علي ضرورة الاستناد لتجارب الدول التي تتشابه ظروفها ومناخها السياسي، وعلي رأسها فرنسا والصين اللتان استفادتا وحققتا قدرا كبيرا من الديمقراطية، وانعكس ذلك عليهما سياسيا واقتصاديا. شكوك في التعديل أما صوفي أبو طالب أستاذ القانون ورئيس مجلس الشعب الأسبق فيطالب بأن تكون التعديلات حقيقية في مضمونها، وتنعكس آثارها علي الشارع السياسي، وتحقق الهدف المنشود وطموحات الشعب، ويشكك "أبو طالب" في ان يتم ذلك لكون هذه التعديلات لم تكن نابعة من أعضاء مجلس الشعب وإنما كانت بناء علي رغبة رئيس الجمهورية وبالتالي ستكون هذه التعديلات شكلية وعلي نواب المجلس التصديق فقط مما سيؤدي الي تكرار نفس الاخطاء التي وقعت فيها الحكومة عند تعديل المادة 76 مشيرا الي انه لن يكون هناك مجال للاخذ بآراء القوي السياسية والمتخصصين في ظل غياب الضمانات اللازمة لتطبيق هذه الآراء. ومن جانبه يطالب الدكتور محمد المرغني استاذ القانون بجامعة عين شمس ان يقوم التعديل للمواد الدستورية علي الاستفتاء الحقيقي والديمقراطي يتضمنه الدستور الفرنسي والمسمي بكلمة PL APIST والذي يعتمد علي لجنة تأسيسية يتم تشكيلها من خلال نخبة من الخبراء والمتخصصين عن طريق اجراء انتخابات وهو النظام الذي اعتمد عليه ديجول وليس باستخدام نظام الاستفتاء الذي يعرف باسم PE FDOM المشكوك في صحته والذي اعتمد عليه هتلر وموسوليني. وينصح ان يؤخذ في الاعتبار آراء القوي السياسية والمتخصصين حتي ينهي الأمر الي وضع تعديلات ترضي طموحات الجماهير وتحد من سيطرة الحزب الواحد علي الحكم.