قبل بضعة أشهر ألقي رجال المرور في الطريق الزراعي بين القاهرة والاسكندرية القبض علي سائق سيارة نقل يقود السيارة وهو يدخن "الشيشة" حيث كان مساعده بجواره يقوم بتجهيز الفحم و"المعسل" ويمد "بالخرطوم" إلي السائق الذي كان يدخنها أثناء القيادة..! وكان الحادث تعبيرا عن أن الاستهتار قد بلغ مداه لدي قائدي سيارات النقل الذين يثيرون المتاعب والمخاوف علي الطريق ويتسببون مع اخوانهم قادة سيارات "الميكروباصات" في وقوع العديد من الحوادث القاتلة..! ومع هذا التصرف الغريب من سائق النقل فإن أحدا لم يهتم إلي ضرورة إعادة فحص رخص القيادة لدي سائقي النقل والتأكد من أهليتهم لقيادة هذه السيارات واحترامهم لقواعد وآداب الطريق.. ونستطيع أن نؤكد بكل اقتناع بأنه لو كانت هناك اختبارات جدية لعينة عشوائية من سائقي النقل أثناء قيادتهم لسياراتهم لتبين أن غالبيتهم يقودون هذه السيارات وهم تحت تأثير مختلف أنواع المخدرات حيث توجد قناعة لدي هؤلاء السائقين بأن تعاطي المخدرات يساعدهم في التغلب علي النوم أثناء القيادة. وبالفعل فهي تساعدهم علي ابقاء أعينهم مفتوحة ولكن عقولهم غائبة ونائمة أيضا والدليل علي ذلك الحوادث البشعة التي تحدث من سيارات النقل وطريقة القيادة المجنونة علي الطرق وقيادتهم بسرعة هائلة واحتلالهم بمقطوراتهم الجانب الأيسر من الطريق واستخدامهم للأنوار المبهرة التي تجعل قائدي السيارات الأخري في خطر كبير وتلذذهم عندما ينجحون في ادخال الرعب علي من يحاول تجاوزهم..! والحادث الأخير الذي وقع في محطة أتوبيس السيدة عائشة كان قمة في الغرابة والاستهتار واللامبالاة حيث كان قائد سيارة نقل ثقيل يقود سيارته بسرعة جنونية وهو يحمل 40 ألف لتر سولار وأثناء سير السيارة بهذه السرعة أسفل كوبري السيدة عائشة فإن السائق اقتحم محطة الأتوبيس وأحدث تلفيات بأعمدة الانارة والاكشاك وصدم عددا من المواطنين فقتل خمسة بينهم طفلان وأصاب ستة آخرين. وكان تعليق سائق النقل ينم عن جهل شديد بالقيادة ويعكس غيابا عن الوعي والادراك حيث قال إنه كان قادما من أعلي كوبري السيدة عائشة في طريقه لمنطقة مسطرد ففوجئ بعدد كبير من السيارات أمامه في اشارة المرور وحاول أن يوقف السيارة فلم يجد أن الفرامل تعمل..! فالسائق "العبقري" يفترض أن يقود وحده سيارته في الطريق حيث فوجئ أن هناك سيارات تقف في الاشارة وهو لم يكن مستعدا لذلك.. ثم فوجيء مرة ثانية أن السيارة التي تحمل 40 ألف لتر سولار بلا فرامل..! ونحن في هذا أمام حادث لا يقع إلا في مصر ولا تفسير ولا تحليل ولا شرح لأبعاده وأسبابه إلا أن الفوضي والتسيب واللامبالاة أصبحت ذات جذور عميقة في المجتمع وأن الجهل قد أصبح طاغيا وأن الرقابة غائبة والبلد بهذا الشكل في طريقه لانهيار لا حدود له..! ففي احدي البلدان الخليجية الصغيرة رأيت مشهدا يعكس درجة التطور الحضاري والبشري الذي أصبح منعدما لدينا، فقد كانت مقطورة من مثل هذا النوع تسير في الطريق محملة بمواد كتب عليها سريعة الاشتعال وأمامها جندي مرور علي دراجته البخارية يؤمن لها الطريق ويسير علي اليمين وبسرعة بطيئة والناس تسير بعيدا عنها، والكل يفسح أيضا الطريق لها علي العكس من المشهد عندنا حيث سائق النقل ومعه حمولة من السولار القابل للاشتعال يسير بسرعة جنونية وبدون فرامل أيضا..! الأمر خطير.. وخطير جدا فنحن أمام انفلات مروري خطير يهدد بوقوع كارثة كل يوم وأن نتحول جميعا إلي ضحايا في أي لحظة وفي أي مكان ولأسباب خارجة عن ارادتنا وبدون ذنب اقترفناه.. ولا يمكن أن نشعر بالأمن والأمان في حياتنا إلا إذا انصلحت أحوال المرور وعاد الاحترام والنظام إلي الشارع. واصلاح أحوال المرور لا يكون بتكثيف اللجان المرورية علي الطرق السريعة لمراقبة السرعة وتحصيل مخالفات الرادار فقط وإنما بفحص رخص القيادة للعديد من السائقين والتأكد من قدرتهم علي القيادة والتزامهم بتعليمات السلامة وصلاحية سياراتهم للقيادة..! إن قضية المرور أصبحت قضية أمن وطني فيكفي أن نقول إن عدد ضحايا الحوادث المرورية في بلادنا أصبح يقترب من عدد ضحايانا خلال الحروب التي خضناها إن لم يزد عليها..! ولابد في هذا من أن نسارع بتنظيم حملات توعية وارشاد اجبارية لسائقي سيارات النقل والأجرة يتم علي أساسها تقييم مدي استيعابهم للمفاهيم المرورية ومدي التزامهم بالمقاييس الحضارية ومدي سلامتهم الجسدية للقيادة..! كما يجب التشديد في منح رخص القيادة الخاصة التي مازالت الواسطة تلعب دورا مهما ومؤثرا في منحها للبعض ناسين أو متناسين في ذلك أننا نرتكب بهذه المجاملة جريمة في حق أنفسنا وفي حق الآخرين. اننا ندعو إلي حوار جاد بناء حول كيفية اصلاح أحوال المرور في بلادنا حتي لا تصبح شوارعنا وطرقنا مصدرا للخطر والموت..! [email protected]